هذا الكتاب :
تبقى فكرة العدالة من المسائل ذات الأهمية الجوهرية في مضمار الفلسفة السياسية، وذلك منذ أن بدأ الإنسان يتأمل فيها مليا، ويحس بالاحتياج إليها في حياته على هذه الأرض. في واقع الأمر، هناك كتابان قد احتلا موقع الصدارة في الفكر السياسي الغربي بخصوص العدالة وهما: "جمهورية أفلاطون" وكتاب الفيلسوف الأمريكي جون راولز الذي صدر في العام 1971 بعنوان "نظرية في العدالة"، ويعتبر بمنزلة حجر الزاوية في هذا المجال، وكلاهما يتضمن مقالات في موضوع العدالة يصعب على القارئ العادي أن يسبر أغوارها.
يأتي كتابنا هذا مختصر تاريخ العدالة" لنقدمه إلى القارئ العربي بالتزامن مع ما تشهده أمتنا من ثورات الربيع العربي، التي إن هي إلا صرخات مدوية تطالب بتحقيق العدالة.
يتطرق هذا الكتاب الى العلاقة التاريخية والفكرية بين الحاكم والمحكوم ضمن إطار من العدالة والمساواة، ويتعقب تطور الفكرة الأساسية للعدالة منذ العصور القديمة إلى وقتنا الراهن. يشكل الكتاب، على الرغم من اختصاره، مسحا شاملا لفكرة العدالة منذ ظهور بذرتها الأولى لدى البابليين والعبريين واليونانيين والرومان، وصولا إلى المفكرين المعاصرين مثل جون راولز وغيره، ويكرس كل فصل من فصول الكتاب لبحث آراء أحد المفكرين الذين تبلورت من خلال جهودهم مفاهيم العدالة مثل أفلاطون وأرسطو وتوماس هوبز ومفكري مذهب المنفعة، مرورا بآراء آدم سميث وبيكاريا وبينثام وجون ستيوارت مل، وثم الفيلسوف العملاق إمانويل كانت.
ينسج المؤلف الجدل الذي يثار حول أفكار فلسفية معقدة بأسلوب سهل الاستيعاب، ويرصع النقاش الفلسفي البحت بمسائل واقعية عن العدالة، ولهذا فقد جاء الكتاب ملبيا لمتطلبات الدقة العلمية والوضوح المطلوب، وقدم لنا المؤلف مادة طالما كنا في حاجة إليها، من خلال سرد قابل للقراءة، يشيد بأهمية العدالة ويركز على الإرث الفكري المتعلق بهذا الموضوع، علاوة على تفاصيل نظريات بارزة مثل نظرية العدالة الاجتماعية وقضايا الظلم الاجتماعي والعالمي التي تشغل أذهان الناس العاديين والفلاسفة على حد سواء منذ زمن طويل.