هذا الكتاب:
هذا الكتاب ليس مجرد مقدمة إلى فلسفة العقل، ولكنه أيضا دراسة تحليلية ونقدية ومنظمة لأهم المشكلات التي تشكل موضوع هذا الحقل المركزي في الفلسفة عامة. في هذا الدراسة يتجاوز المؤلف المقولات التقليدية والمنهج المألوف في معالجة هذه المشكلات. ومن أهم الإنجازات التي قدمها جون سيرل في هذا الكتاب تقديم حلول معقولة ومفيدة جدا للمشكلات الصعبة التي ورثناها من ديكارت في بداية القرن السابع عشر.
يبتدئ المؤلف بشرح ثلاثة أسئلة أساسية في فلسفة العقل يستفسر أولها عن الفرق بين الذاتي والموضوعي، أو بين العقلي والمادي، بينما يتمحور الثاني حول: كيف يمكن للحالات العقلية اللامادية أن توجد في عالم مادي؟ أما الثالث فيتساءل: كيف يمكن لحالات عقلية أن تسبب حوادث مادية، وكيف يمكن لحوادث مادية أن تسبب حالات عقلية؟ المشكلة الرئيسية التي تتصدر المناقشة في هذا الكتاب هي مشكلة الثنائية: هل يتشكل الإنسان من عنصرين، عقل وجسد، أم من عنصر واحد: المادة؟ يجادل المؤلف بأن هذه المشكلة التي احتلت المكان الأول في الفلسفة ثلاثة قرون ليست في الواقع المشكلة الرئيسية. بل المشكلة الأهم هي: كيف يقوم العقل بوظيفته؟ وعندما نطرح هذا السؤال ننجر إلى عصبة من الأسئلة المثيرة للاهتمام: ما الوعي؟ ما القصدية؟ ما السببية العقلية؟ ما الإرادة الحرة؟ ما الإدراك؟ ما الذات؟
أهم ما يثير الإعجاب والتقدير في هذا الكتاب هو روح المؤلف المتواضعة والموضوعية، وإلمامه بأهم النظريات المهمة في فلسفة العقل، وأسلوبه الفلسفي التحليلي.
لا أبالغ حين أقول إن هذا الكتاب كنز من المعرفة والبصيرة الفلسفية والمعلومات التي يمكن اعتبارها ضرورية للتقدم في هذا المضمار العلمي.
هذا الكتاب:
لم تتخلص الفلسفة مطلقا من تاريخها، فكثير من أخطاء الماضي لا يزال موجودا حتى اليوم، وفي هذا الكتاب يزودنا المؤلف -وهو فيلسوف بارز- بشرح لمضمون تجاربنا الإدراكية وكيفية ارتباطها بالعالم الحقيقي الذي ندركه. وخلال لك، يجادل المؤلف ضد خطأ واحد محدد يرى أنه أرهق تفكيرنا بشأن الإدراك، منذ القرن السابع عشر، ولا يزال شديد التأثير حتى الآن: وهو الفكرة القائلة إننا لا نستطيع أن ندرك مباشرة سوى تجاربنا الشخصانية الخاصة، لكننا لا نستطيع مطلقا أن ندرك الموضوعات وظروف العالم في حد ذاتها، وهي الفكرة التي يشير إليها المؤلف باسم "الحجة السيئة".
يعرف المؤلف هذه المغالطة باعتبارها مصدر الأغلبية العظمى من حالات الالتباس في تاريخ فلسفة الإدراك. ومن هذا المنظور، فالواقع الوحيد الذي يمكننا الوصول إليه هو الواقع الشخصاني لتجاربنا الخاصة، كما أن الهلوسات والتوهمات لها المكانة نفسها للمدركات في العالم الحقيقي. يجعل هذا من المستحيل الإجابة عن السؤال المحوري: كيف تحدد الطبيعة التجريبية للمدركات ما نظن أننا ندركه، أي كيف تحدد الفينومينولوجيا المضمون الإدراكي. وحتى النظريات الفلسفية عن الإدراك، والتي لا ترتكب خطأ الحجة السيئة، لا يمكنها الإجابة عن هذا السؤال. يجادل المؤلف بأننا نستطيع تجاوز الأخطاء السابقة بتقبل فكرة "الواقعية المباشرة"، وهي وجهة النظر القائلة بأننا ندرك الموضوعات والظروف بصورة مباشرة.
يوضح التفسير النظري المحوري للكتاب كيف تحدد الفينومينولوجيا الخام للتجارب الإدراكية المضمون عن طريق دمج السببية القصدية مع الخصائص الإدراكية الأساسية للعالم، والتي تسبب التجربة. يفسر المؤلف أيضا كيف تؤدي بنية التجارب الإدراكية إلى مدركات رفيعة المستوى وشديدة التعقيد، والتي ترتكز على القدرات الإدراكية الأساسية المفروضة بيولوجيا.
من خلال المناقشات المستفيضة والأسلوب الواضح، يزودنا الكتاب بإطار لفهم المشكلة الفلسفية القديمة للإدراك، ويجعل كتابات فيلسوف بارز حول هذا الموضوع البالغ الأهمية مفهومة للقارئ العادي.