لن نستطيع الفكاك من تجارب الطفولة سواء كانت سعيدة أو حزينة، فهي رحم ثان تتشرنق فيه الأحاسيس و الذكريات، كاليرقات، التي تتذكر موطنها الأصل، فتعود إلى اقتفاء آثار الذكرى والحنين مستدلة عليه ببداية البدايات. بعض الناس يعيشون هذا الحنين فقط، بكل ألوانه وآثاره والبعض الآخر ممن وهب مهارة الكتابة والإبداع، فإنه يفرد لها الصفحات تلو الصفحات. فتتحول الصفحة إلى شاهد على تلك اللحظة الهشة، الهاربة بسرعة، كالضوء المستحيل الذي يرفض النسيان. الكتابة هي نقل هذا الضوء الحميم. الكتابة هي أن نتذكر ... يمكن العثور على هذا التوق المتعدد والمتفرد للعودة إلى الأصل والبحث عن الزمن الضائع في أعمال أدبية كثيرة، لكن أعمال الروائي الفرنسي جان-نويل بانكرازي أكثرها سبرا للطفولة وذكرياتها المؤثرة عامة وذكريات مسقط رأسه وسنوات إقامته في الجزائر خاصة.
فقد تصدى روائيا سواء في رواية (السيدة أرنول) أو (الجبل) إلى تيمات الطفولة والحرب والتمزق العاطفي والشتات إلى المنافي فكان أشد استغوارا لمسافة زمنية قصيرة لم تدم سوى ثمان سنوات قضاها في الجزائر وبعدها رُحّلت أسرته إلى فرنسا بعد تحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي. ورغم أن المدة الزمنية قصيرة إلا أن جان نويل بانكرازي عرف كيف يجعلها ملحمة سردية مشحونة بالأحداث المؤثرة عن فترة احتلال فرنسا للجزائر وما نتج عنها من حرب شرسة بين المقاومة الجزائرية وبين العسكر الفرنسي وفصائل المدنيين المجندين وقد ترتب عن ذلك أكثر من مليون قتيل.