هذا الكتاب:
يعد كتاب "زمن الغضب: تأريخ الحاضر"، أحد أهم مؤلفات الروائي الهندي بانكاج ميشرا، وهو يستمد أهميته من الثقافة المزدوجة لمؤلفه الذي يجمع بين ثقافته وتنشئته الهندية واندماجه في الثقافة الغربية الإنجليزية.
يقدم المؤلف، من خلال تحليل دقيق ومعمق للأوضاع السائدة في العالم والتوجهات الفكرية والأحداث التي صاغته منذ عصر التنوير، رؤية جديدة لتطور العالم الحديث والمعاصر، وتقوم منهجيته على تتبع منابع الشعبوية والتطرف اللذين أصبحا يهيمنان على عصرنا، ويخلص إلى أن هذا الوضع مرده الإحباطات التي يشعر بها المهمشون الذين لم يجدوا ضالتهم في الحداثة كما تبلورت في العالم الغربي أولا ثم انتشرت في العوالم الأخرى.
يتجاوز المؤلف النظرة التجزيئية في تحليل الظواهر التي يشهدها العالم، وأبرزها صعود التيارات الشعبوية التي يمثل انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتصاعد ظاهرة تنظيم الدولة الإسلامية أبلغ صورها. ويرجع المؤلف كل هذه الظواهر، التي قد تبدو متباعدة ومختلفة، إلى مصدر واحد، فهي انعكاس للاستياء العميق لدى شباب يشعر بالتهميش بعد قرنين من التقدم الذي روج له فكر التنوير وجسدته الحداثة الليبرالية.
من خلال هذا الطرح، يدحض المؤلف المقاربة التي تعتبر أن معضلات العالم تكمن أسبابها خارج الحداثة الليبرالية، أساسا على عاتق الإسلام وطبيعته العدائية المزعومة. ويذهب المؤلف أبعد من ذلك عندما يعتبر أن حركات مثل القومية الثقافية، والإسلام السياسي، والتقدمية، والإرهاب، والفاشية، والتعددية، تضرب جذورها كلها في فكر التنوير نفسه.
فالنموذج الذي صاغه وصدره الغرب الأطلسي والقائم على علمنة وتصنيع المجتمعات الحديثة، يحمل في طياته، وفقا للمؤلف، بذور أزماته وربما فنائه، فالحداثة التي تعصف بالبنى التقليدية تظل عاجزة عن الوفاء بوعودها بتحقيق المساواة والارتقاء الاجتماعي والسعادة والرفاهية، فتكون النتيجة أن يدب الغضب في نفوس شرائح عريضة من المجتمع ينتابها قلق عميق بشأن مصيرها، وتشعر بأنها مقصية من ركب التقدم.