المجتمع و الاقتصاد
إطار و مبادئ
العدد: 487
ترجمة:
إبتهال الخطيب
مراجعة:
عبدالنور خراقي
هذا الكتاب:
يؤسس هذا الكتاب لفكرة الترابط الجذري العميق بين المجتمع والاقتصاد، مشيرا إلى التأثر الاقتصادي الكبير من كل المناحي الاجتماعية والسياسية والأيديولوجية والعقائدية الإنسانية. ويؤكد الكاتب مارك غرانوفيتر أن الاقتصاد محكوم بالمكونات الإنسانية الأساسية ذاتها التي تحكم كل المناحي الحياتية الأخرى، كالأفكار والمشاعر والعادات والتقاليد والعلاقات العائلية وتدرجات القوى الهرمية الاجتماعية والسياسية وغيرها. ويستعرض أمثلة مهمة ومؤثرة لمؤسسات عريقة وممتدة في الاقتصاد العالمي والتي تجاوب بعضها، في تشكيلها وصناعة قوتها، وقواعد التأثير المنطقي للقوى السياسية والاجتماعية والعائلية، كما يتطرق إلى أمثلة مغايرة لمؤسسات لم تتجاوب والمحفزات المعتادة، والتي كبرت واستمرت من دون أن تستند إلى مسببات أو دوافع اجتماعية أو اقتصادية منطقية، مبينا من خلال هذه الأمثلة غرابة التفكير والسلوك الإنسانيين وعمق تشكيلهما، وهما اللذان لم يسبر العلم كامل أغوار صنعهما وتشكلهما بعد.
كما يتجلى لقارئ هذا الكتاب التعقيد الكبير في التفكير الإنساني والذي يقود بدوره إلى تعقيد العلاقات الإنسانية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، مما يؤدي إلى خلق حلقات قوى بداخل حلقات غيرها لا تلتزم دائما، في صنعها واستمرارها، بالتفسير المنطقي للمؤثرات الاجتماعية، والأيديولوجية والسياسية. ويسرد غرانوفيتر بعض النظريات السيكولوجية، والاجتماعية، والنفسية التاريخية بمنظور تطوري، معرجا على مفاهيمها وتطبيقاتها الاقتصادية. ويتكلم غرانوفيتر أيضا عن "الاقتصاد الأخلاقي" بوصفه مفهوما مؤثرا في الاقتصاد العالمي، مستعرضا العديد من التعريفات الواردة لهذا المصطلح وكذلك العديد من الأمثلة على تطبيقه، ويتعرض كذلك لمفهوم الثقة في الاقتصاد والمؤسسات التي تحكم مفهوم الثقة هذا وأهمها المؤسسة الاجتماعية العائلية التي تتعدد الأمثلة حولها، خصوصا في الاقاصلد الشرق-آسيوي الذي تحكمه عائلات كبيرة ممتدة ومتوارثة.
بالعموم، يخرج غرانوفيتر في نقاشه لعلم الاقتصاد الاجتماعي، والعوامل التي تحكمه، عن إطار علم الاقتصاد التقليدي الذي يتعامل مع الظواهر الاقتصادية عادة بشكل جامد بعيد عن المؤثر الإنساني المتغير وغير المحكوم دائما بالمنطق الواضح المباشر، ويدخل من خلال صفحات كتابه في عمق السيكولوجية الإنسانية وفي غرائب دهاليزها لغرض إبراز الكيفية التي تؤثر بها هذه السيكولوجية التي يصعب التنبؤ بها في العلاقات والموازين الاقتصادية العالمية.