المجاز السياسي
العدد: 486
هذا الكتاب:
يحاول هذا الكتاب لفت انتباه دارسي السياسة وباحثيها، والعاملين فيها، والمنشغلين بها، والعائشين لها، إلى أهمية المجاز في فحص حقل السياسة تفكيرا وتنظيرا وتعبيرا وتدبيرا. فما ورد فيه لا يقف عند علم البلاغة وشجونه، بل يخص الاجتماع السياسي وشؤونه أيضا، واقفا على الجسر العريض الواصل بين هذين الحقلين المعرفيين، يريد أن يبلغ منتهاه، كي يكشف عن مسار ومساق مسكوت عنه، أو نادر تناوله بين الدارسين العرب الذين يتعامل أغلبهم مع السياسة باعتبارها أقرب إلى "السلعة" منها إلى "الخطاب"، تاركين الأخير لعلماء اللغة ونقاد الأدب،وإن بحثوا فيه فإنهم يحصون ما في تصريحات الساسة وبياناتهم وخطبهم من مفردات لتوزيعها على معارف وقيم واتجاهات وقضايا سياسية، لكنهم لا ينشغلون كثيرا بما فيها من مجازات.
من أجل هذا بدأ الكتاب بتحليل ما بين الكلام والسياسة من دروب، ثم عرج على اللغة بوصفها سلطة وقوة ناعمة، ليعرض بعدها معنى المجاز السياسي مارا بتعريفه في العموم، وعلاقته بالحقيقة، ليصل إلى تحليل الاستعارات التي يعوم عليها الخطاب السياسي، ضاربا أمثلة باستعارات الحرب، والنظر إلى الإنسان بوصفه آلة، وتأليه الدولة، وتجسيد المجتمع، والتعامل مع كرة القدم بوصفها راية قومية، وتصور العلاقات الدولية رقعة شطرنج، والمجتمع الرأسمالي "مولا"، والمجتمع الاشتراكي ساحة للقطط السمان، والريبة في التمويل الدولي لأنه "غزو".
وتناول الكتاب، الذي حوى في نهايته، مسردا بأهم المجازات السياسية المتداولة، مسألة المبالغة السياسية، مفرقا بينها وبين الفصاحة والبلاغة، ثم بين المقبول منها والمرفوض، وشرح جوانبها المتمثلة في الخطب الرنانة، واستدعاء الشعر السياسي، وتوظيف أفعل التفضيل، والتحريض على التطرف والتعصب، وترميز الحكام، والنفاق والبذاءة والكذب السياسي. كما تناول بلاغة الصورة وتعامل معها باعتبارها نصا سياسيا، لاسيما في مجالات الصور الجمالية، وصور الأفكار، والصور الذهنية بمساراتها المتشابهة والمتصارعة والمتعددة. وأخيرا جاء الدور على الصمت السياسي البليغ، انطلاقا من فضائه الأوسع المتمثل في الدين والحكمة، ثم تجلياته في التمنع والمقاومة والتفاوض والدعاية وبناء العقل الجمعي والعنصرية والسيطرة والثورة والصوم السياسي وتمدد الإمبراطوريات.