في ثاني الندوات الفكرية لمهرجان المسرح العربي

13 يناير, 2016

في ثاني الندوات الفكرية لمهرجان المسرح العربي

المتغير الفكري وأيديولوجيا الاستبداد غاصت في التاريخ وناقشت التجارب المسرحية العربية

في ثاني أيام الندوات الفكرية التي تشهدها فعاليات الدورة الثامنة لمهرجان المسرح العربي أقيمت ندوة بعنوان "المتغير الفكري وأيديولوجيا الاستبداد شارك فيها كل من الدكتور سامح مهران من مصر واحمد الطوالة من المغرب وعمر فطموش من الجزائر وجوان جان من سوريا وأدارها المخرج غنام غنام حيث قدمت مجموعة من الأوراق البحثية نستعرضها فيما يلي :

القيم الجمالية والمثاليات
قدم الدكتور سامح مهران من مصر ورقته البحثية تحت عنوان : ألعاب الانحياز و فقدان البراءة والتي جاء فيها: أصدر باكونين في العام 1878 مجلته لافان جارد التي يمكن أن توصف بميولها الفوضوية وعدائها المنقطع النظير للحضارة المعاصرة، سواء تجلى ذلك في الرفض للهيئة الاجتماعية والمواضعات الفنية، أو فى تنحية القيم الجمالية السائدة والمثاليات المادية، فضلا عن البنية التركيبية للغة والمنطق كل هذا إنما يعنى رفض البورجوازية وما يتعلق بها، مع استحضار بديل يوطوبى عوضا عما هو قائم اتخذ هذا البديل مظاهر ثلاثة هي: ا لفلسفى والشعبوي والبدائي فالطليعة كفلسفة لا تختلف عن الفوضوية في الجانب العدمى ولنا في هذا المجال أن نستكشف أوجه التشابه
ويسرد الدكتور سامح أوجه هذا التشابه فيقول : أولاً: قامت الفوضوية على مبدأ أساس في بدايات القرن العشرين، هو الاحتفاء بالنزعات شديدة الفردية. فوفقا لباكونين ومن لف لفه تحل الحقوق الشخصية محل حقوق الحكومة التي ارتآها باكونين حقوقًا قسرية. كما أنه يجب على النظام الاجتماعي أن يكرس للحياة الجماعية القائمة على المساواة كشكل صالح ووحيد.
ثانيًا: ذهبت الفوضوية إلى وجوب استبعاد جميع القواعد المحددة للسلوك والتى تعبر عن كينونة محددة سلفًا، على أن يحل محلها فهم دائم التغير لطبيعة التحقق الفردى.
وترجمت الطليعية مثاليات الفوضوية إلى ممارسات مسرحية، وهو الأمر الذي يخفى على الكثيرين، إلا أن هجوم الفوضويين الموجه إلى الهيمنة السياسية تحول لدى الطليعيين إلى هجوم على الهيمنة الثقافية للسلطة. كما أن مفهوم التحرير الشخصى لدى الفوضويين تم النظر إليه من قبل الطليعيين بشكل سيكولوجي أو حتى روحى وليس بوصفه حالة خارجية، رغم أن الطريق إلى تحقيق التحرير الشخصى غالبًا ما اتخذ شكلا فيزيقيًا
وفى هذا المجال تعد دراسات باختين. التأسيسية عن دوستوفسكى، وكذلك دراساته عن رابيليه، تعد ممثلة للروح الطليعية، وتطرح فى الوقت نفسه الأدوات النقدية لتحليل الأعمال الطليعية.
ثم يقول الدكتور سامح : وطبقا لباختين يقوم الأدب الكلاسيكي على: - المحاكاة أي تغلب عليها سمة المونولوجية وهو المصطلح الذي استخدمه باختين للدلالة على مفهوم الوحدة الأرسطية حيث يتحقق التناغم الجمالي بواسطة واحدية الصوت والمنظور، وبالتالي تكمن فيه السلطة ومركزية الكلمة
وكإضافة لباختين نرى من جانبنا أن أرسطو ربما يبدو الآن من الأيديولوجيين بالمصطلح المعاصر، المعنيين يلى عنق الواقع؛ لإبقائه على ما هو، أو لتثبيت لحظة جارية، وجعلها أبدية في أعين مستقبلى نظرياته وأطروحاته ومستهلكيها.
ويضيف : وتبدو نظرية أرسطو في الفن الدرامي طبقية أرستقراطية مترفعة، فى تفضيله العناصر المكونة للنص مثل الحبكة والشخصية، الفكر، اللغة الشعرية، على العناصر السمعية والبصرية المكونة للعرض المسرحى، مثل الموسيقى والمنظر، وذلك ضمن مكونات القصيدة الدرامية لديه، إذ يلخص أرسطو فى كتابه "فن الشعر" رأيه في المنظر الذي هو عنصر الفرجة قائلا:
"حقًا إن للمنظر المسرحى جاذبية عاطفية خاصة، لكنه أضعف عناصر العمل الدرامي فنا، وأقلها ارتباطًا بفن الشعر، فقوة تأثير التراجيديا لا تعتمد على العرض والممثلين، ولا يؤثر غيابهم فيها، أضف إلى ذلك أن المناظر الباهرة تعتمد على فن ومهارة عامل الآلات فى المسرح لا على فن مهارة الشاعر
العناصر السمعية والبصرية
ويستطرد الدكتور سامح قائلا : إن العناصر السمعية والبصرية هى التي تمكن العامة والأقل ثقافة والأميين من التفاعل مع العمل الدرامى. وفى تهميش أرسطو هذه العناصر، تهميش اجتماعي لمستهلكيها ومتذوقيها لصالح الخاصة، ممن أوتو القدرة على متابعة حبكة معقدة بلغة لها أبنيتها وتراكيبها.
وينتقل الدكتور سامح إلى التفكيكية مؤكدا انها وجدت طريقًا إلى الكثيرين فى الغرب، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية لاشتمالها على عناصر نقدية وفلسفية ولغوية وأنثربولوجية، أي على مجموعة كاملة من العلوم الإنسانية كانت برمتها هدفًا لنقد جاك دريدا – مؤسس التفكيكية – القاسى الهادف إلى تدمير الفرضيات المطلقة للفكر.... التى هدمت" إلى تجميد التلاعب بالمعانى في النص وتقليل ذلك إلى نطاق يمكن السيطرة عليه"

المسرح عبر التاريخ
كما قدم الباحث : د. أحمد الطوالة من المغرب بحثا بعنوان سؤال القيم في تجارب مسرحية عربية حيث يقول فيه: يشكل الاهتمام بالمسرح والقيم الجمالية عامة عنصرا جوهريا في تكوين الإنسان، فقد مورس المسرح منذ فجر التاريخ بطرق مختلفة، وكان بمثابة الاهتمام الأساس في كثير من الحضارات، إذ استخدمه الإنسان في طقوسه وفي التعبير عن أفراحه وأحزانه، كما شكل عنصرا هاما في إطار علاقته بالعمل.
مضيفا : أن دراسة المسرح عبر التاريخ، هي بمثابة دراسة التاريخ الحقيقي للإنسان و رصد صراعه في مواجهة الواقع والطبيعة وانتصاره على قوى القهر والظلام. إن بلدا يعلو فيه شأن المسرح، ويعامل المسرحي معاملة تليق بما يقدمه من إبداع، إنما هي أمة تتمتع بقدر كبير من التقدم، والبصيرة الثاقبة، والرغبة في الحرية
أما إذا كان المسرح ينزوي في ركن مظلم، ويعامل معاملة رديئة، بالتحريم والنبذ والسخرية، أو التقييد والتحكم والمنع والحظر في بلد ما، فإن هذا البلد إنما يؤكد على عناصر تخلفه وتقوقعه حول نفسه وإذا كان للمسرح، وللقيم الجمالية، هذه الأهمية الكبرى، فإن هذا يعني أن جدلا طويلا وقع، على مر التاريخ، بين المسرح والمسرحيين من جهة، وبين القائمين على المجتمع من جهة أخرى والذين تمثلوا في الحكام ورجال الدين، والفلاسفة أيضا في أحيان كثيرة
. البسام والمسرح الكويتي
ثم يتطرق الطوالة الى تجربة سليمان البسام في المسرح الكويتى المطبوعة بالطابع السياسي واعتبرها تجارب نوعية ومشرقة في المسرح الكويتي
كما تحدث عن التجربة الإخراجية للمخرجة لينا الابيض في المسرح اللبناني متنقلا الى المسرح الليبي متخذا مسرحية "السقالة للمسرح الوطني الليبي بمصراته نموذجا متطرقا الى ارهاصات لتجارب حداثية في المسرح المغربي
ويؤكد الطوالة : إن المشكلة الأساس التي واجهت المسرح هي أنه يريد أن يكون حرا طليقا، معبرا عن روح الإنسان المتحررة من القيود والعوائق، في الوقت الذي أراد فيه رجال السياسة والأخلاق والمنظرين ضبط إيقاع المسرح بحيث يتواءم مع جريان الأمور في الدولة، بل يكون في الوقت نفسه ذا دور محدد سلفا من قبل غير المسرحيين المبدعين، ومتسقا مع الأنساق الفلسفية للفلاسفة والمفكرين والرؤى المتباينة
ثم يقول : هذه المحاولات المسرحية العربية الجديدة مجرد عينة محدودة جدا من مجموعة من النماذج الهائلة التي عملت على تصوير التحولات الاجتماعية و السياسية لبلدان الوطن العربي التي تستحق دراسات تحليلية دقيقة وعلمية و بمنهجية حديثة في التحليل.
ويختتم الطوالة بحثه بقوله: نريد أن نسجل الاستخلاصات الأولية التالية:
-الدعوة إلى استشراف المستقبل الثقافي والمسرحي بما يقتضيه ذلك من بناء وهيكلة على أسس معاصرة، كما دعت القطاع الخاص إلى نشر ثقافة الاستثمار الثقافي، مطالبة أيضا بتكثيف التظاهرات المسرحية العربية وفتح المجال للمشاركات الأجنبية للاستفادة منها.
-أهمية تأسيس مسرح جماهيري نوعي.
-الحاجة إلى إبداع ثقافة متعددة المشارب ومختلفة المواضيع تشكل هدفا في طرق باب التقدم المعرفي والحضاري الذي تعرفه الكثير من الأمم المنتشرة في بقاع العالم. كما أن واقعنا الراهن في حاجة إلى نهضة معرفية وفنية تعلي من وضعنا ثقافيا وفنيا وفكريا.

أزمة المسرح العربي
وقدم الباحث عمر فطموش من الجزائر بحثا جاء فيه : منذ العصر الوسيط الذي صدر عنه تراثنا الفكري , بمختلف أشكاله , حتى الحقيقة الراهنة من عصرنا , ظلت دراسات هذا التراث رهن النظريات و المواقف الميثالية و الميتافيزقية التي تنفق جميعها , بمختلف مذاهبها و تيارتها , على خط عام مشترك تحكمه رؤية أحادية الجانب المنجرات الفكرية – الاسلامي الوسيط , أي رؤية هذه المنجزات في استقلالية مطلقة عن تاريخهــا .
بمعنى أن هذه الرؤية ظلت قاصرة عن كشف العلاقة الواقعية الموضوعية , غير المباشرة , بين القوانين الداخلية لعملية الانجاز الفكري و بين القوانين العامة لحركة الواقع الاجتماعي . و لذا بقي تاريخ الفكر العربي – الاسلامي تاريخيا ذاتيا سكونيا أو " لا تاريخيا " لقطع صلاتـــه بجذوره الاجتماعية , أي بتاريخه الحقيقي الموضوعي
ثم يقول فطموش ان حقيقة أزمة المسرح العربي في الخمسينات و طيلة الستينات , كانت تكمن في حرية التعبير و في ازمة الديمقراطية في الارض العربية , أو بمعنى أخر , تكمن في سلسلة طويلة من الصراع الحاد بين جهود الفنانين و المسرحيين العرب المعاصرين و استبداد السلطة في بعض الانظمة الذي كان يقف كجدار صامت و بارد بمباركة القمع الشرطي . لم يتعرضوا المسرحيين العرب بشكل مباشر أو غير مباشر للتصدي لهذا الجدار الاصم , لان هدم هذا الجدار لن يأتي الا بتحول جماهيري , سياسي و اجتماعي فعال و يوجه خاص فيما يتصل بالعلاقة بين الحاكم و المحكوم .
مضيفا : قد ظهر الاهتمام بقضية التراث و اقامة جسور بينه و بين الواقع الثقافي الراهن كاحدى مهمات المسرحيين العرب من أجل تأصيل المسرح و رد الفعل للادعاءات الكثيرة بافتقار الحضارة العربية لجذور الفن المسرحي
المسرح الحداثي
ويستطرد قائلا : ويقف المسرح في هذا الوضع أمام حتمية جديدة من حيث الابداع المقنع على العديد من المستويات لتمكنه في مواجهة الشكليات المعاصرة للمسرح الحداثي أو بما يسميه البعض بما بعد الحداثة . ان المعطيات الجديدة أفرزت تعاملات في نظم الانتاج و السوق بالنسبة للحاجة المسرحية حيث بدأ انشاء العديد من المهرجانات في أرجاء المعمورة كافة كسوق دولية جديدة , تتطلب عروضا لجماليات جريئة , ذات نص قليل , كي لا تتعرض لمشاكل لغوية و أسلوب رسمي جدا , الأمر الذي يمكن أن تعتبره دوافع السوق لانشاء فرق , مبدعين و نماذج عروض كان يمكنهم أن يقوموا بجولتهم الدولية ناقلين فكرة ما بعد حداثوية للفن .
لافتا إلى أن ممارسة المسرح للسوق العالمية في ظروف تتغلب عليها التجارة و في وسط اجتماعي يتسم بالاضطهاد اليومي سوف يحمله الزامية التنازل من قيمه النبيلة و الانسانية و خوضه تجارب ممكن أن تجعله في مواقف دفاعية تقليدية لا جدارة لها في عصر العولمة . ان تعامل المسرحيون مع العولمة لا يعني الاستسلام لها بل محاولة كسر آليات التبعية , نحو المشاركة الفعلية و الفعالة في الجهود الحضرية و الانسانية .

Happy Wheels