في ثالث ندوات المهرجان الوسائط والمسرح بين التجاور والتحاور رصدت العلاقة بين التكنولوجيا والإبداع

13 يناير, 2016

    في ثالث ندوات المهرجان

 

الوسائط والمسرح بين التجاور والتحاور رصدت العلاقة بين التكنولوجيا والإبداع

 

ضمن أنشطة مهرجان المسرح العربي عقدت ندوة : المتغيرات العاصفة الوسائط و المسرح بين التجاور والتحاور شارك فيها كل من الدكتور جبار جودي من العراق والدكتور محمد خير الرفاعي من الأردن والمخرج خالد جلال من مصر وإدارتها الدكتورة زينب عبد الله

العابر والمنفلت

كان أول المتحدثين الباحث د . جبار جودي من العراق حيث جاءت ورقته البحثية تحت عنوان:العابر والمنفلت والمُحتَمَل التقنية والتكنولوجيا والخيال في مسرح الحداثة ويقول فيها : لقد سعى العـــــديد من الفنانين والأدباء إلى إحداث تغييرات جذرية في طريـــــقة تناولهم للفنون وإنتاجها للتأثير بالواقع الاجتماعي واليومي المعيش وإبراز الجانب الجمالي والحسي لهذه التجارب المتأثرة بوقع الحداثة " التي اعتصرت في داخلها اصطراع التباساتها وتناقضاتها ونبض تحولاتها الجمالية جنباً الى جنب مع سعيها الى إحداث تغيير جمالي في الحياة اليومية  لكن تأثير وقع الحياة اليومية على الحساسية الجمالية الجديدة كان في الحقيقة أكثر بكثير من مجرد تأثير لحظة عابــــرة، تلك اللحظة التي اقتنصها رسام الحياة الحديثة بودلير في غمرة تحولات كونية تخص عوالم الفن والفلسفة والأدب والاقتصاد والسياسة وترجمها بطريقته الشاعرية الخاصة ، إذ نظر الى الحداثة من منظور مغاير ، محلّق ، مختلف ، ومزج مقولات جديدة ضمّها للحداثة الجمالية – التي أصبح أحد أهم روادها – مثل العابر والمنفلت والزائل ، ووضع عبارات التناقض في الفنون مابين الانقطاع والتواصل وبين الحداثة والاستمرارية ، لأنه أكّد على أن الحداثة في الفن مُفارِقة لما هو أبدي " فالحداثة هي العابر والمنفــــلت والمحتمل ، أي نصف الفن ، بينما نصفه الآخر هو الأبدي والثابت  إذ بدأ المسرحيون والحركات الفنية المختلفة في البحث عن الجذور ومحاولة الوصول الى البساطة او بتعبير آخر إلى ما هو روحي بعيدا عن المادية والعقلانية التي أطـّرت أشكال الأفراد من جميع النواحي

إرهاصات جديدة

ويستطرد الدكتور جبار قائلا : ان الإطار المسرحي بكل ما فيه من آلات ومعدّات تكنولوجية يمكن استخدامه بوصفه ركيزة لتفعيل منطلقاتنا الفكرية فإدراكنا للتكنولوجيات ودورها المؤثر يعمل على تجديد تلك المنطلقات وتدريب الفكر مثله مثل ممارسة الفن نفسه إذ لابد للتكنولوجيا من أن تثير حركة للتأمل والدراسة على ضوء ما يعتمل داخل فكرنا من تغيير وإرهاصات جديدة تبدو للخيال كمحرّك توربيني هادر ، فالمسرح يحفّز برؤى جديدة الحوار الذي ينشأ بين الذاكرة والخيال بواسطة الأدوات التكنولوجية المتطورة ، إذ يتسنى لكل مشاهد أن يبني عوالمه الخيالية الخاصة من خلف الجدار الرابع الوهمي وفيما وراء صور العالم المشيّد أمامه أو الذي يعاد تشييده على خشبة المسرح بواسطة أدوات وعناصر وآلات قــــــــــادرة على تحسيـــــن صورة الإيهام البصري وهي آخـــذة في التطور من جيل إلى جيل

طرق تعبير الفنون

ويؤكد جبار أن المسرح أصبح خلال السنوات الأخيرة مكاناً للتعبير المرئي عن الفكر ، تجديد مذهل أو ثورة مسرحية سادت ضمن اضطرابات القرن العشرين من ضمن عدة من التحولات التي شهدتها ميادين كثيرة عدا ميدان المسرح ، إذ تسببت أزمة أساسيات المعرفة في اضطراب النُظم العلمية والفلسفية والأيديولوجية ، ويبدو ذلك جلياً لأختلاف طرق تعبير الفنون المعاصرة التي ماعادت تنتمي إلى رؤية حتمية ووحدوية للعالم ، فالتعدد والتنوّع في التجارب التي دأبت على مغادرة واقع المسرح التقليدي فتحت الطريق واسعةً أمام الاتجاهات المميزة الجديدة للكتابة المسرحية المعاصرة

مشيرا إلى أن  الفني لديه قوة التأثير في ( الإنسان / المُشاهِد ) لما يمتلكه من طاقة في ابتكار نُظُم متحولة ، حتى ليستشعر الفرد أن علاقته بالمجتمع قد تجددّت وانه قد تغيّر ، تبدّل بفعل هذه القوة المؤثرة ، ففي داخل الأعمال الفنية توجد قوة المقاومة الفنية الأكثر فاعلية أمام قوة الرأسمالية التي تعصر الذاتية أحادية الأبعاد ، والنمطية والتمييز وعدم الالتفات تجاه الاهتمام بالآخر ، فالنموذج الفني هو نموذج الابتكار وتحــــفيز المدركات الحسية والمشاعر الخـــفية المتحــولة وهو الشكل الممكـن للإنعتاق والتحرر

 

التركيب والتعميق

وقدم الباحث : د. محمد خير الرفاعي من الأردن ورقة بحثية بعنوان في التركيب والتعميق والتغريب (مسرحية هاش تاج أنموذجا ) وقبل الدخول إلى البحث قام بعرض فيلما قصيرا وهو عبارة عن "برومو لعمله المسرحي الجديد "هاشوما " مظهرا أهمية الوسائط في التعامل مع العمل المسرحي ثم بدأ قراءة ورقته وقال فيها: يقف الجيل الإنساني المعاصر على بوابة القرن الواحد والعشرين، قرن التطور التكنولوجي والميكانيكي، الذي انعكس تأثيره – المشروط بوجوده - على المعرفة الإنسانية بكافة جوانبها، وإذ بالإنسان يعيش في كون دلالي – رمزي - تتعذر عليه المعرفة لموضوع ما دون تدخل وسائط هذا الكون

والكتابة المسرحية التي تشكل شكلاً معرفياً تأثرت بصوره مباشرة بهذا الكون الدلالي، لأنها إعادة صياغة لمفاهيم الحياة بصورة فنية قصديه بالمكان والزمان المحددين بالعرض المسرحي القائم على وجود الممثل والمتفرج فمن النص التراجيدي إلى الواقعي واللامعقول والسياسي والاستعراضي والاحتفالي والآن التجريبي، والكل ساهم ولا يزال كذلك سعياً نحو التأسيس لتحديد الخصائص.

التحولات المعرفية

ويضيف الدكتور الرفاعي : في ظل التحولات المعرفية في عالمنا المعاصر والتي هدمت الكثير من الحواجز فجاء التجريب على النص المسرحي ليواكب هذه التغيرات، وأصبح من الضروري لمبدع النص البحث عن منهج فعلي يأخذ على عاتقه بناء إستراتيجية معرفية نظرية وتطبيقية قادرة على إيجاد تكافئ ترفيهي ومعرفي مع المتفرج القائم على البيئة خارج حدود المسرح، تلك البيئة التي أصبحت في هذا العصر تعاني من عدم الاتزان في معظم جانبها نتيجة لتطور المعرفة وازدياد متطلبات الحياة الفردية والاجتماعية.

مستطردا : ذلك أن الفن في إحدى وظائفه الأساسية هو تعويض عن فقدان أو انعدام التوازن في الواقع الراهن لتتضح لنا الحاجة إلى توطيد العلاقة بين المتفرج والمسرح الجاد على أساس فكري وترفيهي،حيث لا تتمتع الكلمات بمعنى فقط، ولكنها تتمتع بوظائف أيضا ومعلوم أن الوظيفة لا تشكل أو تؤدى إلا في سياق الموقف الكلامي، فالاتجاه العبثي في المسرح إذ ينطلق من اللغة فإن ذلك ليس بغرض استخلاص المعاني، التي تشكل الكليات، حيث يكون المعنى نتيجة تجميع لفظي لغوي عبر الأسلوب الكلامي، ولكنه يقصد تخفيف تلك اللغة، وتفجير مدلولاتها أو (كلياتها) تفجيراً ذاتياً من خلال طبيعة السياق والموقف الدال، ومن كتاب المسرح الطليعي من يبدأ بالجزئي لينتهي إلى تغيير الكلي، كما في المسرح الملحمي، وكما في المسرح التسجيلي، ومن المسرحيات الطليعية ما يبدأ من الجزئي لينتهي إلى الكلي المتعارف عليه مثل مسرح القسوة والمسرح الحي  في أمريكا وإنجلترا، على أن الاتجاه وفق الفكر الوجودي المادي في كتابة المسرحية ينطلق من الكليات عبر الجزئيات إلى إثبات الجزئي (الشخصية نفسها) لتكون كلية في ذاتها.

مسرحية "هاش تاج"

ثم تحدث الدكتور الرفاعي  عن مسرحية "هاش تاج" أنموذجا" في نقاط نوجزها فيما يلي

المضمون مستمد من واقع الحياة عبر لوحات تعبيرية جسدية تطرح علاقة الإنسان بالسلطة بالاعتماد على لغة الحركة والتشكيلات الجماعية بمرافقة الموسيقى والصورة السينمائية .

اعتماد الصورة المسرحية الدالة على الحدث بلغد الجسد المعبر في تشكيلات موازية ومرافقة ومتقاطعة مع الصورة السينمائية .

استخدام الموسيقى المرافقة للتأكيد على جمالية الفكرة وتشابكها مع المفردات البصرية والسمعية لتوضيح بيئة ومناخ  العرض الذي حمل قيمة الدلالة .

اعتمد العرض تقنية عرض حديثة , ربما لم تعهدها خشبات المسارح العربية من قبل , لخلق اتحاد بين الممثل والخشبة داخل فضاء سينوغرافي لغرفة بيضاء ثلاثية الأبعاد تتلقى صورة البروجيكتور فتعمل على النقلات المكانية والزمانية للحدث

                          مراكز الإبداع

قدم المخرج خالد جلال رئيس قطاع شئون الإنتاج الثقافي  ورقة بحثية تحت عنوان تجربة مراكز الإبداع وتكاملية الوسائط والفنون تحدث خلالها حول النشاطات الواسعة في مجال الوسائط المتعددة مؤكدا خلالها أن هدف مراكز الإبداع في مصر هو تحفيز الشباب لاكتشاف أنماط جديدة للإبداع عن التجارب الإنسانية من خلال تجاوز فنون المسرح والموسيقى والسينما والفنون التشكيلية والرقص الحديث من خلال مجموعات من الورش والتدريبات المكثفة لمجموعة من المتخصصين التي أفرزت جيل جديد من المبدعين يؤمن بتكاملية الفنون والقدرة على استخدام الوسائط المتعددة بمهارة سواء في الإبداع السينمائي أو المسرحي أو العروض الموسيقية أو العروض الراقصة

أجيال من المبدعين

وأثناء تقديم ورقته قدم فيلما بعنوان "الأستوديو" يمثل إطلالة على مراكز الإبداع التي تعمل على تخريج أجيال من المبدعين في شتى المجالات الفنية والإدارة المسرحية وذكر الفيلم أن التجربة بدأت في العام 2003 حيث التحقت الدفعة الأولى والتي استمر تدريبها ثلاث سنوات فتم تدريبهم على التعبير بالجسد من خلال رقصات منوعة وكذلك دخولهم ورش الارتجال وأسفر هذا الجهد عن تقديم عرض "هبوط اضطراري" كما تخرجت مجموعة من المخرجين المتميزين وكذلك أقسام الديكور والأزياء وتخرجت دفعتان من الأستوديو وكل من فيهما حظى بمكانة جيدة في الوسط الفني كما لم يغفل الأستوديو الأطفال واحتضنهم وحصد العديد من الجوائز على مستوى الوطن العربي وحظيت مسرحيته "قهوة سادة" بأعلى نسبة مشاهدة وطافت العديد من البلدان العربية

وأكمل المخرج خالد جلال ورقته لافتا إلى أن مركز الإبداع أفرز من خلال ورشه المختلفة والمتعاقبة مجموعة من العروض الناجحة منها على سبيل المثال لا الحصر : "حلم ليلة صيف – بردة البصيري – حنغني – خمس رؤى للملك لير – أيامنا الحلوة – وتحدث جلال عن مشروع "الفيديو تك" والذي يهدف الى الحفاظ على التراث السينمائي المصري الروائي والتسجيلي بحيث يتيح فرصة للمشاهدة والاطلاع على البيانات من خلال شبكة رقمية  وكذلك قاعة العرض السينمائي والتي تستقبل أسابيع أفلام الدول وعرض تجارب للسينما المستقلة في مصر لتشجيع السينمائيين الشباب واحتواء ابداعاتهم

وفي نهاية الندوة شارك بعض المسرحيين العرب بمداخلات أثرت الحوار والنقاش وفتحت الجدل على آفاق رحبة وطموحات عريضة

Happy Wheels