ختام فعاليات مهرجان القراءة الوطني الاول

21 أبريل, 2015

يوسف زيدان: أخطر شيء على العقل إعادة النظر في البديهيات

اختتمت أمس أنشطة المؤتمر الوطني الأول للقراءة والذي أقيم على مدى ثلاثة أيام تحت رعاية سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك. وشهد المؤتمر مجموعة من الجلسات المهمة منها جلسة التأويل وإشكالية فهم النصوص الأدبية والفكرية وأدارها الأمين العام لرابطة الأدباء طلال الرميضي وتحدث فيها الروائي والأكاديمي د. يوسف زيدان فتناول في ورقته البحثية الكثير من الرؤى المتعلقة بالتأويل ومزج بين القراءة والتأويل، مشيراً الى دلالات المفردات التي تعطي اللغة أهميتها وتواصلها كما أعطى مقارنة بين الفن والعلم والعملية الآلية للقراءة والادراك الذي هو جزء متمم للقراءة.

وأشار إلى أن الفهم جوهر عملية القراءة متحدثا عن المعنى المجازي والحقيقي للقراءة، مثل قراءة الانسان لما في داخله قراءة مجازية، واكد ان القارئ يستهدف الإبانة من خلال تفسير شفرات النص.

وتحدث عن بعض الأفكار التي تعتمد على التأويل، ثم ألقى الضوء على التصورات المختلفة حول سفينة نوح، من خلال التفاسير والتأويلات، التي قدمت في هذا المجال، وكذلك التأويل في الديانات اليهودية والمسيحية بالاضافة الى آراء المعتزلة والأشاعرة وغيرهما من الفرق الاسلامية، مؤكداً ان التأويل يخص كل نص يقبل التعبير، وان هناك نصوصاً أدبية تحتاج الفهم والتأويل، مثل قصيدة الأرض الخراب لأليوت. وفي إجاباته على مداخلات الحضور أكد زيدان أن أخطر شيء على عقل الانسان إعادة النظر في البديهيات.

لنصبح قراء

تحت عنوان لنصبح قراء جاءت الجلسة التالية التي أدارتها الروائية ليلى العثمان وتحدث فيها الروائي أمير تارج السر الذي أكد أن القراءة نشاط من أنشطة الإنسان الإبداعية، مثل الكتابة والرسم، وأضاف: أعتبر نفسي أقرب للقراء، مني للكتاب، حيث تتعدد قراءاتي، وسعيت كثيرا لإنشاء صداقات بيني وبين كثير من الكتب من ناحية، وبين عشرات القراء الذين أصادفهم إما قراء لي أو لغيري.

وتابع: كتبت كثيرا وكنت أحترم وجهات نظر القراء، فيما يختص بأعمالي، وأشكر كل من أحب أعمالي، ومن لم يحبوها، فهم قطعا يملكون أذواقهم الخاصة، وكما كانت الكتابة في مجملها أساليب وطرقا مختلفة، فالقراءة أيضا أذواق مختلفة مصداقا لمقولة لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع. أنا مثلا أحب بذوقي الخاص أن أقتني سلعة ماركيز، وجورجي أمادو، مثلا، وغيري، بذوقه الخاص يسعى لسلعة يوسا، وأمين معلوف، مثلا. على أن من الأشياء التي أفخر بها، هو أنني وضعت على الغلاف الخلفي لواحد من كتبي التي أعدت طباعتها، آراء كلها لقراء عاديين، وضعوها بسهولة وصفاء.

واضاف: تأسست قارئا في الأول، وجيلنا كله فخرج منا الشعراء والكتاب، والذين لم يدخلوا سكة الكتابة، ظلوا أوفياء للقراءة، ونادرا أن تجد من لم يقرأ من جيلي. وتحدث عن ذكرياته في بداية السبعينيات، والكتب التي قرأها ومنها كتاب الأيام لطه حسين، كتب توفيق الحكيم، كتب لكولن ولسن، وامرئ القيس. واشار إلى أن الإنترنت من أهم وسائل تأسيس القراءة، إن لم تكن أهمها، فقد مهدت بالطبع لجسور عريضة بين الكاتب وقرائه، وفي خلال متابعتي للقراء انتبهت إلى أن الاختلاف في الآراء

فهناك من يقرأ، بنفس الطريقة التي يشجع بها فريقا لكرة القدم، يمنح التقييم الجيد لكاتب بلاده، والتقييم الرديء لكاتب البلاد الأخرى، أنا لا أدين هذا المنطق الخاطئ في القراءة، بقدر ما أتحسر على كتب جيدة ضاعت بسبب ذلك.

وتساءل: هل القراء في ازدياد أم في تقلص؟ شخصيا لا أعتقد أن عصر القراءة انتهى، ولا أظنه سينتهي، بدليل مؤتمرات القراءة التي تقام الآن، وهذا هو المؤتمر الأول في الكويت، وقطعا هناك ثان وثالث، من أجل إنعاش روح القراءة. لكن الذي حدث أن ثمة ظروفا ألهت الناس قليلا عن القراءة، إذا أخذنا عالمنا العربي نجد تلك الظروف من ثورات وعدم استقرار هذا عامل مهم في عدم وجود وقت ولا ذهن لقراءة الكتب. في المقابل حدثت طفرة قرائية كبرى في الدول التي تنعم بالاستقرار. في قطر والإمارات والكويت على سبيل المثال، قراء محترفون، يطاردون معارض الكتب ويحرصون على اقتناء المعرفة.

كما تطرق إلى الكتاب الإلكتروني، وهل هو جدير بالاحتفاء به؟ وأجاب: نعم..الكتاب الإلكتروني، وسيلة جذابة ولا ضرر من القراءة بذلك الشكل، وأعتقد أن الأجيال الجديدة، تميل إلى هذا النوع من القراءة، نعم نحن نحب الكتب، ونستمتع بتقليب الكتاب قبل قراءته، ولكن لا نرفض التطور.

سينما

وفي الجلسة المخصصة لدور السينما الثقافي تحدث الناقد السوري المقيم في لندن غسان عبدالله والمخرج الكويتي وليد العوضي.

في البداية قدم غسان عبدالله مقاطع من بعض الأفلام العالمية للحديث عن أثر السينما في الثقافة ورصد التاريخ وهى غاندي ولينكولن وشندلر.

وضرب مثلا بالمغرب وكيف أثار فيلم عن الاغتصاب ضجة وساهم في تغيير قانون عقوبة المغتصب ومثال آخر من تركيا ساهم في تغيير قوانين رعاية كبار السن. وذكر أن فيلم غاندي عكس تاريخ الهند وحول الورق إلى لحم ودم وموسيقى ومؤثرات وهذه وظيفة السينما التي هي متعة وثقافة وصناعة وتجارة وأيضا إعلان عن موضوعات ودفاع عن قضايا.

ورفض أن يعتبر السينما بديلا عن الكتاب، فالكتاب يسمح للقارئ بالتحليق في الفضاء حسب رؤيتة وتفاعله مع النص بينما في الفيلم خاضع لرؤية المخرج.

من جانبه تحدث المخرج وليد العوضي عن تقدم السينما في الغرب لوجود الحرية والتمويل وضخامة الصناعة والتجارة وتتطرق إلى عن بعض القضايا الخاصة بالسينما المحلية منها: وجود عدد كبير من السينمائيين الشباب وضرورة الاهتمام بدعمهم، غياب الكتابة الخاصة بالسينما، وكذلك المستثمر، الإقبال على الأفلام الجادة والروائية الطويلة.

وطالب العوضي بالاهتمام بإنتاج أعمال وثائقية عن الكويت تتبع التطورات الحديثة وتنشيط قطاع السينما في المجلس الوطني واقامة مهرجانات سينمائية متنوعة.

التأصيل المعرفي

في جلسة القراءة النوعية والتأصيل المعرفي وتحت العنوان ذاته تحدث الناقد محمد العباس ودعا إلى عدم الخلط بين مفهومي الثقافة والتقنية، ورأى أن الشباب في معظمهم يعتمدون الآن على الإنترنت وشبكات التواصل في القراءة والمعرفة ورغم قناعته بأهمية هذا التوسع لكنه يرى أن القراءة الجادة في الكتاب، والنص لا يوجد إلا في الكتاب.

وتناول شرطين مهمين هما قدرة الشباب على توليد الثقافة وإشكالية ضعف القراءة في ظل الانشغال بالوسائط الحديثة. وذكر أن ثمة علامات كثيرة تتعلق بالموجة الشبابية الجديدة تتعلق بفحوى المقروء ودورات القراءة السريعة والميل إلى التخاطب باللغة الإنجليزية واعتبر أن اكتساب لغة جديدة يعني الخروج من سجن اللغة الواحدة لكن بشرط ألا يسجن القارئ نفسه فيه وينفصل عن لغته الأم.

وأرجع التغيرات الحاصلة في الثقافة الآن إلى انهيار ما يسميه الثقافة الرفيعة ثقافة الصالونات والأوبرا والتي كانت حكرا على شريحة محدودة من صفوة المجتمع... بينما نعيش الآن عصر الثقافة الشعبية وربما السوقية أحيانا حيث أصبح من حق كل إنسان أن ينتج ويستهلك الثقافة.

وكما يقرر بارت أنه لا توجد كتابة بريئة يرى العباس أنه لا توجد قراءة بريئة ولا يجب أن تكون القراءة مسطحة بل قائمة على التفاعل واستكشاف طبقات النص. والنوع الأول من القراءة يسميه السيكو ـ بصرية وهي قراءة سطحية أما الثاني فيسميه السيكو ـ لساني الذي يتطلب قدرات ذهنية وتأملية ويؤدي إلى إنتاج معرفة. وأكد العباس أن مفهوم الثقافة لا يقتصر على الإنتاج الفكري والأدبي والفني فقط بل يتشعب داخل الحياة بكل معطياتها الروحية والفكرية والاجتماعية مشددا على أهمية القيم العاطفية والوعي الديمقراطي في التحصيل والتأصيل الثقافي.

بدوره تحدث الداعية د. محمد العوضي فوجه الشكر إلى القائمين على المؤتمر مشيدًا بجهود الشباب الذين يقفون وراءه وأكد أن الشباب المتطلع المثقف هو أهم روافد البنية التحتية في المجتمع.

ثم تتطرق إلى ظاهرة إقبال الشباب على القراءة ورأى أنها ظاهرة إيجابية لكنها قد توقع في العديد من الأوهام مثل وهم القراءة السريعة التي لا تتيح لهم التأصيل الكافي.

وأطلق على مثل هذه الظواهر مزالات القراءة مشيرا إلى أنه كلما تكثر القراءة قد تكثر الأخطاء ومنها وهم الانتشاء المعرفي والصوابية اللازمة وتكلف مخالفة الآخرين ووهم القراءة المبعثرة والمشتتة.

واضاف العوضي: إذا كان العلماء بذلوا جهدا كبيرا في التأصيل لكل علم من العلوم فلا أقل من أن يبذل القارئ جهدًا في تلقيه لهذا العلم وأن يقف على أرضية صلبة.

واشار إلى شيوع مصطلحات كثيرة في أيامنا مثل: الحرية، الحداثة، حقوق الإنسان، والنسبية.. لكن دون أن تحظى بالتأصيل المعرفي اللازم لها.

وتساءل: هل يستطيع العقل الوصول إلى الحقيقة؟ وهل هناك حقيقة أساسا؟ محاولا الإجابة وتفنيد آراء العديد من الفلاسفة الذين دعوا إلى موت الإله مثل نيتشة. كما انتقد العديد من المفكرين العرب مثل زكي نجيب محمود وعبد الرحمن بدوي وعلي الوردي. ودعا الشباب إلى التريث والمراجعة مستعيرا كلام الأولين: من تكلم في غير فنه جاء بالأعاجيب.

وعقب المحاضرتين دار نقاش سجال بين وجهتي النظر المطروحتين، فاتهم بعض الحضور د. العوضي بأنه يقع فيما ينتقد فيه الآخرون. كما اعترض محمد العباس على قراءته لفلسفة نيتشة ومن تلاه من الفلاسفة مثل فوكو.. وأوضح أن الإسلاميين يسعون دائما إلى تثبيت قشة ما للرجوع إليها عند النقاش مهما ابتعدنا عنها، أما الفلاسفة خصوصا من التفكيكيين فهم اشبه بالبدوي المرتحل الذي يبني فكرته ثم يهدمها.
Happy Wheels