المحور الرابع: صورة الخليجي في السرد العربي والخليجي

19 يناير, 2015

تناول المحور الرابع من محاور ندوة مهرجان القرين الثقافي الـ21 "المستقبل وصورة العربي في رواية الآخر" "صورة الخليجي في السرد العربي"، وفي جلسة أدارها الباحث خليل حيدر، تحدث كل من: د.هيثم الحاج علي أستاذ الأدب العربي بجامعة حلوان، ود.محمد إبراهيم بريري أستاذ الأدب والنقد بجامعة المنيا، والناقد المغربي د. بوزيد لغلي الكاتب.

من جانبه قدم د.هيثم الحاج ورقة بحثية عنونها بـ "السارد وآليات رصد المجتمع الخليجي" مستعينا بقراءة ثلاثة نماذج روائية مصرية، وهي:«البلدة الأخرى» لإبراهيم عبد المجيد، و«مذكرات عبده ريال» لمحمد غزلان، و«نسائي الجميلات» لأمنية طلعت، وذلك بوصفها ثلاث عينات عشوائية اتفقت في كون ساردها بطلا للأحداث، على المستوى التقني، ومصريا ينتقل للعمل والعيش بشكل مؤقت في أحد المجتمعات الخليجية على المستوى المضموني، لتمثل هذه العينات رؤية المجتمع الخليجي لدى هؤلاء الساردين عبر نصوص اتسمت بتنوع رؤاها الجمالية.

ويخلص الحاج علي عبر المناقشة إلى أهم الآليات التي أسهمت في ظهور أشكال وسمات المجتمعات الخليجية – أو بعضها – كما تظهر في السرد الروائي المصري، عبر النظر في ثلاث روايات ظهر فيها السارد المصري مغتربا، يشعر بالاغتراب أحيانا لكنه يقبله، أو يشعر به ويرفضه، أو يعبر عن إمكانية تقبله للاغتراب في المجتمع الجديد نظرا إلى ما يحققه له من ترقٍّ، وإن اختلفت الرؤى حسب اختلاف موارد ومشارب كل سارد في الروايات الثلاثة، فإن رؤية المجتمع الخليجي تظل في النهاية محكومة بوجهة النظر التي ينطلق منها كل سارد والتي تؤدي إلى ظهور مجموعة من الآليات التي تفصل السارد عن المجتمع الجديد حسب رغبته أو قربه من رؤيته .

ويؤكد الحاج علي أن هذه الآليات ربما تؤدي إلى الإقرار بأهمية تقنيات السرد بوصفها بابا أصيلا للتحليل والتأويل السردي الذي يقر في النهاية بمجموعة الرسائل التي يبثها السارد في خطابه، وربما يؤدي ذلك إلى رؤية المجتمعات المرسومة داخل هذه النصوص السردية خارج الأطر التقليدية التي يمكنها أن ترسم صورة مزيفة أو على الأقل غير صادقة عن هذه المجتمعات التي تظهر غريبة في عين الغريب، حتى تغدو جزءا من حياته بل مستقبل، وربما يسفر ذلك الآن عن الدعوة لدراسة أكثر تعمقا لصورة المجتمعات العربية عموما في عيون الساردين الغرباء عليها، لعل ذلك يرسم لنا صورتنا كما يمكن أن نراها، صورة كلية تلف وطنا كاملا يرجو أن يرى الأدب مسهما في تقارب أفراده، بالقدر الذي يرى فيه خريطته الأدبية الكاملة متكاملة فيما بينها.

 

العرب «الآخرون» في السّرد المصري

وتحت هذا العنوان بحث د. محمد بريري وطرح تساؤلا من خلال دراسته عن كيفية صناعة السرد المصري للآخر العربي (الخليجي خصوصا)، وهي صناعة تقوم على تعميم مخل لا يستند إلى رؤية موضوعية، بحسب بريري.

وذكر بريري أن إقامة ثنائيات ضدية بين الذات والآخر ظاهرة ثقافية ذات تمثيلات متعدّدة قديمة ومعاصرة، لافتا إلى أن البشر عند العرب انقسموا إلى ثنائية ضدية أساسية، (العرب والعجم) وتُشير كلمة أعجم في أصلها اللغوي إلى الخرس، كأن من يتكلم بغير العربية بمنزلة من لا يقدر على النطق، أي إن اللغة بألف ولام التعريف هي العربية، وما دونها ليس لغة.

وتابع: أما الآخر في العصور الحديثة فتتعدد تمثيلاته الاجتماعية والفكرية. ومن أشهرها الآخر الأسود في المجتمع الأمريكي. ومنها أيضا في مجتمعاتنا العربية ثنائية الشرق والغرب، وفيها يوسم الغرب بالمادية والحسّية على عكس الشرق الروحاني الأخلاقي .

ولا تقتصر فكرة «الآخر»، أو بالأحرى «صناعته»، على من ينتمون إلى هويات وطنية أو قومية أو دينية أخرى، فداخل الوطن أو الإقليم أو الدولة الواحدة تقوم جماعات أو طوائف بصناعة آخرين. وعلى سبيل المثال، فإن الصعيدي المصري هو آخر عند سائر المصريين، هو آخر يتسم بالغفلة والسذاجة، ويتجلى ذلك في آلاف النكات التي لا يكف العقل الجمعي عن ابتداعها.

وطرح بريري في دراسته تساؤلا عن كيفية صناعة السرد المصري للآخر العربي (الخليجي خصوصا)، وهي صناعة تقوم على تعميم مخل لا يستند إلى رؤية موضوعية، مستشهدا بعدد من الأعمال الدرامية المصرية وقدم إطلالة على الآخر الخليجي في السرد الدرامي والسينمائي المصري.

وتابع.. يكتسب العربي الآخر، في معظم الحالات، صورة نمطية تتسم بالتعميمية المخلة غير الموضوعية وغير المبنية على استقصاء علمي، تُحيله إلى شيطان ثري شهواني، يكاد وجوده ينحصر في نصفه الأسفل من جسده، ومن خصائصه المميزة له كبر السن نسبيا، مع ميل شاذ إلى اشتهاء الفتيات الصغيرات، وهو، غالبا، متزوج من أخرى (أو أخريات) من بني جلدته. ويتم زواجه من الفتاة المصرية، أو بالأحرى، شراؤه لها، في حرص شديد على السرية، وألا تعلم أم الأولاد بأمر هذه الزيجة. وفي حالات أخرى لا يتزوج هذا الرجل من الفتاة، بل يقضي وطره بها من دون زواج. ويطول بنا الأمر لو حاولنا استقصاء هذه «التيمة» في السينما أو الدراما المصرية، مكتفيا في السينما بثلاثة أمثلة، ومثل واحد من الدراما، مع ملاحظة أن هذه التيمة تأتي، في معظم الحالات، عرضا، أثناء السرد الذي يتناول موضوعا عاما. ومن المهم الإشارة إلى أن هناك حالات استثنائية يتخذ فيها الخليجي مظهرا عاديا، أو حتى إيجابيا إنسانيا، لكن الاستثناء، بالطبع، لا يُلغي القاعدة.

 

صورة العربي الخليجي في السرد المغربي

وقدم الناقد المغربي د. بوزيد لغلي ورقة بحثية حول (صورة العربي الخليجي في السرد المغربي) حاول من خلالها توجيه أشعة النور نحو منطقة لا تزال غُفلا بل قاعا بلْقعا من الدراسات الأدبية المهتمة بدراسة الصورة والآخر بالمغرب، لافتا إلى سيادة أو سيطرة دراسة صورة المغربي في مرآة الآخر الغربي، في مقابل الشح الحاصل في دراسة صورة العربي في السرد المغربي أو صورة المغربي في السرد العربي.

واستهد لغلي بنماذج من الأعمال الأدبية للتدليل على موضوع بحثه مثل، «أفواه واسعة» لمحمد زفزاف، مؤكدا أن الصورة التي يرسمها السارد عن الأديان السماوية في مهدها /الشرق واندياحها عبر العصور والأمصار (الإسلام، المسيحية)، تطرح حدة الخلاف الذي أدى إلى الاقتتال في الماضي والحاضر، كما تضع على المستقبل أسئلة ثقيلة مقيمة غير زائلة إلى الآن، تتعلق باستمرار عقلية الرق والتمييز على أساس اللون والعرق، ليس بين المسلمين فحسب، بل في حظيرة الفاتيكان ومؤسسات المسيحيين أيضا.

ويختتم لغلي هذا السفر القصير الساعي إلى رسم صورة الخليج إنسانا ومكانا، ثقافة وعمرانا في مرآة نماذج محدودة معينة، " لا نزعم أنها تنهض عينة تمثيلية حقيقية لاستجماع نُثار أبعاد تلك الصورة إيجابا وسلبا، وجب التنبيه إلى أنه فيما عدا الرحلة إلى الحج التي تجعل موضوعها الرئيس هو البقاع المقدسة" ويرى أن موضوع الخليجيين والعرب عموما لا يحتل في السرد المغربي الذي اطلعنا على جزء مهم منه، سوى حافة عرضية ثانوية في دوران الأحداث وجريانها، وتشكل المواقف، ولا يرجع ذلك إلى ضعف احتكاك المثقفين والأدباء المغاربة بالخليج بيئة اجتماعية وثقافية، بقدر ما يرجع إلى أن الخليج العربي يشكل شريكا في الهوية والتاريخ المشترك، ولا يمثل في الوعي المغربي ذلك الآخر الذي تتلبس به المغايرة والفتنة على حد تعبير شرف الدين ماجدولين.

وقال: رغم أننا لم نقف على رواية مغربية تعنى على وجه الاختصاص بالخليج وانشغالاته وهمومه وأدواره التي يضطلع بها على المستويين العربي والعالمي، فإن اللافت للنظر أن الصورة المنتجة حول الخليج بالساحة المغربية تستأثر بها في أكثر الأحوال وسائل الإعلام على اختلاف أنواعها.

 

Happy Wheels