المحور الثالث: صورة العربي في سرد الجوار

19 يناير, 2015

في ثاني أيام الندوة، وفي جلسة صباحية أدارها د.صبري حافظ، ناقش المنتدون أبحاث كل من: د.أحمد الصغير  أستاذ النقد حول الأدب التركي، ونظرا لتعذر مشاركته قرأ البحث نيابة عنه مدير تحرير وكالة أنباء الشرق الاوسط على عطا، وحول الأدب الايراني، تم مناقشة بحثين للدكتور عبدالكريم جردات أستاذ اللغة الفارسية وآدابها، ود. مها خير بك أستاذ اللغة العربية في الجامعة اللبنانية.

البداية كانت مع على عطا الذي قرأ بحث الدكتور الصغير والذي يَطْرَحَ أفقا مَفْتُوحا حَوْلَ صُورَةِ الْعَرَبِ في الأدبِ التركي الحديث بعامة، والرواية والسيرة الذاتية بصفة خاصة، مرتكزا على روح الشخصية العربية، ومكانها، وزمانها في السرد التركي بخاصة، وأيضا من حيث مَدَىَ إفَادِة الأدبِ التركي من الأدبِ العربي، ودور الشخصية العربية، وحياتها الاجتماعية والسياسية والثقافية، ضمن المنتج الثقافي التركي، وكيف ينظر الأدب التركي/ الشخصية التركية المنتجة لهذا الأدب إلى الحياة العربية بعامة؟ والإنسان العربي بخاصة؟ واتكأتْ هذه الدراسة التي على طرح الصورة العامة للشخصية العربية في الأدب التركي الحديث والذاكرة الإنسانية، وتناولت على سبيل التمثيل الكاتب/ الروائي نجيب فاضل ثم اختصت الدراسة بقراءة صورة العربِ في عملين أدبيين أولهما: (السيرة الروائية للكاتب التركي، أورهان باموق التي جاءت بعنوان «إسطنبول... الذكريات والمدينة»، والثاني «رواية عشق السكون.... كل امرأة هاجر»، للروائية التركية، نورية تشالاغان.

 

العربي في الأدب التركي

ويقول الصغير إن الذاكرة التركية احتفظت بالصورة النمطية للمجتمع العربي بأشكاله المختلفة من خلال العصور القديمة، بدءا من التناحر الشديد على السلطة من قِبَلِ الأتراك العثمانيين الذين رَوَّجُوا؛ لتخلف العرب، ورغبتهم الشديدة في السيطرة على البلاد العربية (فيما عرف بالفتح العثماني!)؛ لتصبح ولايات عثمانية، تابعة للإمبراطورية العثمانية في القرن السادس عشر (1517)، ومن ثمَّ احتلال مصر، وإعدام السلطان طومان باي على باب زويلة، لترهيب الشعوب العربية بعامة والمصريين بخاصة، من مواجهة الجيوش العثمانية التي جاءت، لغزو البلاد العربية، وقتل العباد، متخفية تحت ستار الدين والفتح العثماني- الإسلامي، على الرغم من أن هذه البلاد العربية كان دينها الرسمي هو الدين الإسلامي!

وتابع.. مع نقل الخلافة من (القاهرة) إلى (إسطنبول)، لم يكن الأمر ببعيد عن الذاكرة الآنية التي توارثتها الأجيال في تركيا من خلال الإعلام بوسائله كافة أنَّ حياة العربَ عبارة عن مجتمعٍ بدوي يعيش في الصحراء، يعشق الكسل، والنوم والطعام والنساء، فبدأت الصورة في الالتحام بالعقليات التركية التي وضعت حاجزا منيعا بين العرب، والترك، وأن الأتراك جنس أرقى من الجنس العربي، وكانت الصورة من جهتهم (أي الأتراك) صورة سلبية تدعي أن العرب جنس لا يهتم بحضاراته ولا بقيمه ولا بمجتمعه. بل وصل الأمر أن بعض المؤرخين الأتراك في الفترة الكمالية (أيام حكم مصطفى كمال أتاتورك) كانوا يصفون العرب بالخيانة والغدر والحقارة والبداوة.

وفي نهاية بحثه يقول الصغير: إن الرواية التركية، رغم اهتمامها بتصوير المجتمع التركي وتعريته وفضح مكامنه وحديها عن المسكون عنه دائما، فإنها تحاول على استحياء أن تتخلى عن محليتها، لترصد وقائع إنسانية وتاريخية، خارج محيطها التركي وجغرافيتها، من خلال استدعائها للشخصية العربية والمكان، والمفردات العربية أيضا، فهي تمثل حضورا قارا داخل المنتج المعرفي والثقافي/ الأدبي التركي الحديث.

 

العربي في الأدب الايراني

ومن جانبها تؤكد د.مها خير بيك في بحثها بعنوان "صورة العربي في السرد الإيراني" إن  عملية رصد الأدب المقارن العربي والفارسي تبرز ظاهرة التأثر والتأثير بين الأدبين، سواء أكان ذلك على مستوى اللغة أم الأدب، وهذه العلاقات تكشف عن تقارب فكري واجتماعي وإنساني بين الأدباء، غير أنّ بعض الدراسات تركّز على الحقد والتباعد ونظرة الاستعلاء والشوفانيّة من خلال قراءة نصوص أدبيّة أفضى تأويلها إلى وضع فرضيات وتصوّرات مؤسسة على معطيات قالتها كتابات الأدباء الإيرانيين.

وأشارت إلى أن للعلاقات العربية الإيرانية بعدا سياسيا يترك بصماته على قراءة الصور الأدبية وتأويلها، فقرأ بعض الباحثين العرب الصور المرسومة بالكلمات قراءة سلبية نتجت منها مقولة تؤكد نظرة الشعب الايراني الاستعلائية والشوفانيّة في مقابل نظرة دونيّة إلى العرب.

وتابعت.. تذهب بعض المناهج الدراسيّة العربيّة إلى أنّ الفرس شوهّوا وجه الإسلام، وخدشوا وحدة العرق العربيّ، ولوّثوا أنساب العرب وقيمهم الأصيلة، كالكرامة والشجاعة والأمانة، بالكذب والنفاق. فإذا كان بعض الأدباء الفرس يحمّلون العرب مسؤولية انهيار ثقافتهم وحضارتهم، وينظرون إليهم نظرة استعلاء ممزوجة بالاحتقار، فبعض العرب، أيضا، يعتقدون أن الفرس وقفوا ضد الحضارة العربيّة، وأنّهم مجوس لم يسلموا بعد، وهذه الاتهامات المتبادلة لها أبعاد سياسيّة تنتج صورا تخدم الأهداف وتساعد على تجييش المجموعات البشريّة لتقف إلى جانب السلطات السياسيّة وتقاتل العدو المفترض بعقيدة وطنيّة وقوميّة .

 

معاداة العرب

وفي ملخص بحثه يقول د.عبدالكريم جردات: إن هذه الدراسة حول صورة العربيّ لدى كتاب الرواية الإيرانية أوائل القرن العشرين، ممن كان لهم السبق في إيجاد هذا الجنس من الأدب، ومنهم صادق هدايت، المؤسس الفعلي لهذا النوع الأدبي وأكثرهم عداء للعرب، وبزرك علوي، وكلاهما يعدّان من كتاب الجيل الأول .

وتطرقت الدراسة بإيجاز إلى صورة العربيّ في كتابات جلال آل أحمد من الجيل الثاني، وإلى صورة العربي لدى كتاب الجيل الثالث، ومنهم أحمد ، وعرضت الدراسة أيضا أهم العوامل المؤثرة في تكوين صورة العرب السلبية في الرواية الإيرانية، ومستقبل هذه الصورة .

ويقول جردات: لقد تهيأت أسباب عدّة لدى الجيل الأول لمعاداة العرب في كتاباتهم، منها النزعة القومية التي سادت في زمنهم، بدعم من حكم رضا البهلوي، وكذلك الواقع المتخلف الذي كانت تعيشه إيران مقارنة بالنهضة العلمية الأوروبية، والأفكار الوهمية المسبقة المتوارثة عندهم عن العرب والإسلام أنهما السبب المباشر في زوال حضارتهم، وللأفول العلمي والثقافي والاجتماعي في إيران المعاصرة.

وأشار إلى إن كل ما تم ذكره من أسباب دفع بهؤلاء الكتاب إلى تبني نزعة قومية متطرفة، تدعو إلى الإعلاء من شأن الإيراني الآري وحضارته العريقة، وإلى الحطّ من قيمة العربي السامي وحضارته الوضيعة، فانصب سخطهم على المذهب الديني الذي كانوا يعايشونه في إيران، وقادهم ذلك إلى لعن العرب وتصوير الإسلام بأبشع الصور لارتباط المذهب بهما، والملاحظ أن الصور التي رسمها هؤلاء الكتاب للعرب والإسلام تجاوزت إلى حد كبير تلك التي رسمها الشعوبيون الذين عملوا ظاهريا على تحييد الدين في قضية عدائهم للعرب .

واختتم جردات بالإشارة إلى أن كتاب الجيل الأول هم الأشد كرها وعداء للعرب، إذ قدموا عنهم صورا مشوهة في كتاباتهم، وربطوا عداءهم للعرب في تلك الحقبة الزمنية بالإسلام، فعدّوهما وجهين لعملة واحدة. أما الجيل الثاني فيعدّ العرب شيئا والإسلام شيئا آخر، فعداؤك للعرب لا يعني عداءك للإسلام. بينما تبنى أبناء الجيل الثالث النظرة الواقعية والموضوعية في تصويرهم للعرب في كتاباتهم، ما يجعل الرهان على تغيير صورة العربي النمطية في الرواية الإيرانية رهانا معقولا.
Happy Wheels