المحور الأول: صورة العربي لدى الرحالة الغربيين تاريخيا

18 يناير, 2015

الندوة الفكرية لمهرجان القرين تمحورت حول صورة العربي في رواية الآخر

عقب الافتتاح الرسمي بدأت أعمال الندوة بمناقشة المحور الأول والذي حمل عنوان ( صورة العربي لدى الرحالة الغربيين  تاريخيا) وناقش المشاركون في الجلسة الأولى التي أدارها د. محمد الرميحي، عددا من الأبحاث التي تتطرق الى التعامل مع الآخر وفهم ثقافته والسرديات المتعلقة بذلك.

أول المتحدثين كان د.صبري حافظ والذي قدم بحثا بعنوان (تحولات صورة العربي في سرد الرحالة الغربي) مشيرا إلى مصطلح (الغرب) الذي ينطلق من الغرب الاوروبي الى الغرب الامريكي ويؤرخ نهضته الحقيقية بعد نهاية الحروب الصليبية.

وذكر ان هناك نقطة تحول فارقة لا بد أن نضعها نصب أعيننا عندما نتحدث عن دور السرد في تكريس آليات الهيمنة الغربية على الآخر المغاير، وخاصة العربي المسلم، ألا وهي عام 1492، عام خروج آخر عربي من الأندلس. خاصة إذا ما تعلق الأمر بالثقافة الغربية المقصودة هنا، والتي تحظى بالتفوق والمركزية منذ صعود الغرب في تلك الدورة الحضارية التي بدأت في ذلك التاريخ الدامي والدال: 1492 تاريخ سقوط غرناطة وطرد العرب من الأندلس، أو بالأحرى الثقافة العربية والإسلامية كلها من الوجدان الغربي، باعتبارها منهج حياة، يعتمد على التسامح والتعايش بين الرؤى والثقافات. إذ يجب ألا ننسى، وقد تبدلت التواريخ وتغيرت التحالفات، أن اليهود قد طردوا أيضا منه معهم.

وأضاف أن بدايات التعصب الديني والعرقي ومحاكم التفتيش بدأت هي الأخرى في هذا التاريخ وما تبعه من كشوف جغرافية وصراعات دموية مرعبة بين القوى الأوروبية الصاعدة وعصور استعمارية بغيضة تنهض على نهب الآخر وتدمير ثقافته وفرض ثقافة الأنا الأوروبية الصاعدة وأنماطها بدلا منها والتي لم تتوقف حتى اليوم وإن اختلفت تجلياتها ومراحلها وأصبحت تستخدم القوى الناعمة أكثر من استخدامها القوة العدوانية.

وتحدث حافظ عن طبيعة الحياة قبل سقوط الاندلس حيث ساد نوع من التبادل الثقافي السلمي المفتوح في العالم لا في الأندلس وحدها والتي كانت خاضعة للرؤية العربية الإسلامية الحضارية للعالم بما في ذلك احتضانها للديانات السماوية السابقة عليها والاعتراف بها وبمعتنقيها وإفساح المجال لهم لممارسة عقائدهم وشعائرهم.

عرب الصحراء

من جهته قال الدكتور عبدالله ابراهيم في بحث عنوانه (من التعرف الى التملك.. تمثيل احوال عرب الصحراء في رحلات الغربيين) وقد قرأ البحث نيابة عنه الدكتور أيمن بكر مؤكدا أن الصحراء العربية ومجتمعاتها بقيت مدة طويلة سرا غامضا بالنسبة الى الغربيين.

واضاف أن الغربيين سعوا إلى استكشاف العوالم خارج المجال الأوروبي في مطلع العصر الحديث ونتج عن ذلك سيطرتهم على معظم أرجائها مضيفا ان العديد من الرحالة الذين جابوا الصحراء العربية عمدوا الى انتحال الاسماء فكثير منهم تكتم عن اسمه الحقيقي وتكنى بكنة عربية او تلقب بلقب عربي وأخفى معتقده الديني وادعى امتهان التجارة أو الطبابة أو القدوم لأداء فريضة الحج.

وذكر ابراهيم أن الصحراء واهلها شكلت قطبا جاذبا لاهتمام معظم الرحالة فهي فضاء مفتوح مثير للفضول بمقدار ما هو مثير للتحدي لاستكناه هذا العالم الغريب وفك ألغازه. وبين ان الرحالة أسهبوا في وصف مشتاق الارتحال في صحارى منقطعة عن العالم ومع أن كثيرا منهم ضاعوا في طيات الرمال ودنوا من هلاك شبه مؤكد وخيم عليهم الإحباط واليأس والقنوط بل الاستسلام لكنهم استعادوا كلّ ذلك بالسرد في تجربة مدهشة لا نظير لها في بلادهم. من جانبه قدم الدكتور سعيد يقطين بحثا بعنوان (الغريب والغريب الآخر..سردية صورة العربي في الرواية الفرنسية) عالج فيه الرواية المكتوبة بالفرنسية لصورة العربي من منظور سردي يتأسس على التحليل النصي بغية الإمساك بكيفية حضوره فيها باعتباره "الآخر" سرديا ودلاليا. وحدد الصورة والآخر من منظور السرديات وكيفية معالجة باحثة السرديات الفرنسية مونيكا فلودينرك للذاتية والغيرية و قراء رواية "الغريب" للروائي البير كامو مقدما تحليلا لهذه الرواية كتبه الباحث ادوارد سعيد.

الغريب والغريب الآخر

وفي بحث بعنوان (الغريب والغريب الآخر: سردية صورة «العربي» في الرواية الفرنسية) يقول د. سعيد يقطين: لا «آخر» في السرد، أيا كان نوعه، من منظور السرديات، كما أتصورها، غير «المروي له»، خطابيا، أو «المتلقي»، نصيا. أما من زاوية المادة الحكائية، فيمكن لأي شخصية، أو فاعل، أو عامل، أن يتبادل الأدوار مع غيره من الشخصيات، فيتحدد موقعه حسب وظيفته في القصة، فيكون، أحيانا، «ذاتا»، وأحيانا أخرى يتحول إلى «آخر».

إن هذا التحليل السردي للآخر هو الذي يعطي شرعية لتحليل صورة الآخر في السرد. ورغم كوننا لا نصادر التحليلات الأخرى، فإننا أشد اقتناعا بأن المقاربات المتعددة للذات والآخر، وصور كل منهما، حين تتصدى للعمل السردي، لا بد من معالجتها بكيفية تتلاءم مع طبيعة النوع الذي يتم من خلاله تجسيد كل من العناصر المشار إليها. أما إذا كان تحليلها يرتهن إلى اختصاصات لا علاقة لها بالسرد، في خصوصيته النوعية، فإن اشتغالها بالسرد، لا يمكن أن يتم إلا من منظورات غير سردية. وكلما كان الاشتغال بالهوية، عموما، يتم في نطاق غير سردي فإنه يحول العمل المتناول إلى ذريعة نصية لتصريف رؤيات جاهزة، ولن يجد نفسه إلا أمام التأولات البعيدة 


                       صورة أخرى للغريب

ويعرض يقطين في بحثه معالجة الرواية المكتوبة بالفرنسية لـصورة «العربي» من منظور سردي، يتأسس على التحليل النصي، بغية الإمساك بكيفية حضوره فيها باعتباره «الآخر»، سرديا ودلاليا، ثم ينتقل بعد ذلك إلى الوقوف على كيفية معالجة باحثة في السرديات، هي مونيكا فلودينرك، لـ «الذاتية والغيرية»، وإدوارد سعيد في تحليله للغريب لكامو، ويعرض في محور آخر قراءة لرواية «الغريب» لألبير كامو، لمعاينة الفرق بين طريقة معالجتنا للآخر من زاوية سردية، وينتهي بقراءة عامة لـ«مورسو: تحقيق مضاد»، لكمال داود التي تتعلق بنص الغريب، من زاوية تبرز صورة أخرى الغريب - الآخر.

وأضاف يقطين: سيظل بحث صورة الآخر تتجاذبه اختصاصات متعددة، ويمكن لكل منها أن يتعامل معها وفق الرؤية التي ينطلق منها في فهم السرد، وكيفية تمثيله للذات في علاقتها بالآخر، في ضوء المتخيل الثقافي. لكن السرديات التي لم تهتم بموضوع الآخر، يمكنها إذا حاولت الاشتغال به، من منظورها الخاص، أن تستفيد من الدراسات المختلفة، وتنطلق من تحديد تصور مختلف للذات في علاقتها بالآخر، بكيفية تنسجم مع طريقة فهمها لخصوصية العمل السردي. فالذات هي ذات الراوي أو المؤلف. والآخر هو المروي له، أو القارئ - وفي ضوء هذه العلاقة، تبحث في العلاقات بين الشخصيات باعتبارها ذواتا وآخرين، ومن خلالها تعمل على تتبع صيرورة تشكل العلاقات بينهما وصولا إلى استخلاص طبيعة تلك العلاقة، ووظيفتها. وهذا ما سنعمل على القيام به في تحليلنا لرواية الغريب لألبير كامو. لكن قبل ذلك نود تكوين صورة مختصرة عن رأي إحدى المتخصصات في السرديات، وكيف عملت على قراءة الآخر في السرد.

Happy Wheels