العلاقات الإنسانية .. «إيجابيات وسلبيات»

27 يناير, 2016

- قرامي: مستوى الدراسات الميدانية في مجال التقنية بالعالم العربي مازال محدودًا                                     

- اللبان: ضرورة حوكمة مبادئ ومحتوى شبكات التواصل الاجتماعي

 

كتب: ياسر أبو الريش

لليوم الثاني على التوالي استمرت الجلسات النقاشية المسائية للندوة الرئيسية لمهرجان القرين الثقافي في دورته الــ 22، والتي تأتي تحت عنوان «الشباب وأدوات التواصل الاجتماعي .. الفرص والمخاطر».

وناقشت الجلسة السابعة بناء العلاقات بين الشباب في مواقع التواصل الاجتماعي، والمخاطر والاشكاليات التي تواجهها تلك المواقع.

وحاضر في تلك الجلسة الباحثة د. آمال قرامي من تونس، والباحث الدكتور شريف اللبان من مصر، وأدارها أسامة الرنتيسي.

في البداية قالت د. آمال قرامي إنه على الرغم من التفاوت الملحوظ بين البلدان والأجيال في مجال استخدام وسائل التواصل الجديدة فإن سرعة انتشار هذه الوسائط من جهة، وهيمنتها على حياة شرائح كبيرة من المجتمعات الحديثة، من جهة أخرى دفعت الدارسين الغربيين والمتخصصين في مختلف العلوم إلى الانكباب على التمحيص في سلوك الأفراد وأشكال تعبيرهم وتفاعلهم مع الآخرين في الفضاء الإنترنتي والنظر في مختلف الأبعاد الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والسياسية للتواصل الاجتماعي.

لافتة إلى أن هذا الجهد المبذول في المجال الأكاديمي الغربي لا يقابله جهد مماثل في «العالم العربي»، إذ يعسر العثور على المؤلفات أو المقالات العلمية المعمقة التي تتناول بالدراسة أسباب الشغف اللامتناهي بشبكات التواصل الاجتماعي، ونسق تطور أشكال التفاعل داخل هذه الشبكات، وكيفية تفكير أجيال الإنترنت وتصرفهم داخل العالم الافتراضي، وكيفية تنقلهم من نظام التواصل في مواقع التواصل الاجتماعي إلى نظام التفاعل الاجتماعي في الواقع، وكيف تنتقل الممارسات وأنماط السلوك الذي يتعلمه الفرد في المواقع التواصل الاجتماعي من هذا الفضاء إلى الواقع إلى غير ذلك من المواضيع.

معتبرة أن مواقع التواصل الاجتماعي تعد فضاء لتجسيد المواطنية الفاعلة وبناء العلاقات مع الآخرين وتعلم قواعد العيش معا. وما يسترعي الانتباه في هذا التفاعل أنه يتم من خلال أشكال متعددة منها: تبادل التجارب، وإبداء الرأي، وإعادة نشر الأخبار أو الصور أو مقاطع الفيديو وغيرها من المواد المتداولة فضلا عن الاطلاع على النصوص المتنوعة ومناقشة عدد من المواضيع وتكوين رأي عام حول عدة قضايا واتخاذ موقف مما يجري في المجتمع من أحداث إلى غير ذلك.

واعتبرت أن مواقع التواصل الاجتماعي تتميز بقدرة الجذب فهي تحرك فضول الشباب وتثير رغبة لديهم في استخدامها وتغريهم بسرعة تنفيذ ما يطمحون إلى تحقيقه، وتفتح أبواب العالم أمامهم. ولئن بدا هذا الفضاء الافتراضي جديدا في هيكلته ومختلفا عن وسائل التواصل المعروفة فإنه لا يخرج، في الواقع، عن القواعد الاجتماعية والمعايير السائدة.

وقالت القرامي إن حضور فئات من الشبان في مواقع التواصل الاجتماعي أظهر رغبتهم الملحة في تجاوز العراقيل وإصرارا على رسم معالم الغد وامتلاك حق الاختيار وتطوير منظومة العلاقات الاجتماعية بما يخدم الرقي بالإنسان.

وأضافت: المنظومة الاتصالية الجديدة افضت إلى إرباك منظومة القيم والـتأثير فيها وخلخلة النسيج الاجتماعي وتغيير نمط العيش واحتياجات الناس وبنية العلاقات الاجتماعية، وتحديدا العلاقات الأسرية يكفي أن نتذكر في هذا الصدد ارتفاع نسبة الطلاق بسبب الخيانة أو على خلفية عقد علاقات صداقة وغيرها.

أما النتائج المترتبة على الانخراط في شبكات تواصلية ذات توجه ديني متطرف أو الدخول في علاقات مشبوهة كالانتماء إلى شبكات استغلال الأطفال جنسيا أو الاتجار بالبشر أو شبكات الدعارة أو غيرها فإنها تجمع في ارتكاب الجرائم واستشراء «ثقافة الظل» وازدواجية السلوك والرياء الاجتماعي وغيرها من الممارسات والتصرفات المرضية التي تنم عن وجود أزمات متعددة: أزمة علائقية بين الناس، وعطب في التركيبة الشخصية، وخلل في مناهج التربية والتعليم وغيرها».

وختمت بالقول إن الاهتمام بأشكال تواصل الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي يمثل مقياسا لمعرفة أوضاع المجتمعات: غياب فضاءات الحوار والنقاش وإبداء الرأي وهوامش حرية التعبير داخل الأسرة وفي المؤسسات التربوية والتعليمية والسياسية وغيرها. فنحن اليوم إزاء مشهد جديد مُخبر عن تحولات اجتماعية وثقافية وسياسية معقدة، وما الشبان إلا حلقة من الحلقات التي تمكن الدارسين من فهم الظواهر. فإذا تأملنا في شبكة العلاقات تبين لنا أن العلاقات الاجتماعية المباشرة باتت تتجاور مع علاقات اجتماعية أخرى لا تُبنى في الواقع المعيش، بل في مواقع التواصل الاجتماعي، ومعنى هذا أن العلاقات التي تتأسس داخل شبكات التواصل الاجتماعي لا يمكن أن تعوض العلاقات الاجتماعية المباشرة، لأن وعي فئة من مستخدمي هذه المواقع يحصنهم في حين أن سياقات أخرى تجعل فئة أخرى تحتمي بهذه المواقع التواصلية، لأنها عجزت عن تحقيق المرام في الواقع المعيش.

مشيرة إلى أنه وبقطع النظر عن دوافع استخدام مواقع التواصل الاجتماعي فإن الدراسة قادتنا إلى تبين ملامح الثقافة الشبابية التي تتبناها فئات تنتمي إلى طبقات اجتماعية، ولها انتماءات أيديولوجية وسياسية مختلفة. وهذه الثقافة الفرعية الشبابية دالة، في نظرنا، على أن التحولات تتجاوز أشكال التعبير والتواصل إلى منظومة القيم والبنية الذهنية وآليات التفكيك وطرق التأثر وكيفية الـتأثير في الآخر وغيرها من العوامل التي بإمكانها أن تكشف عن طرق وأساليب تشكل بنية العلاقات الاجتماعية المستقبلية ومنظومة القيم المتحركة.

بدوره أكد الدكتور شريف اللبان أن «الإعلام البديل» يمثل جرس إنذار لوسائل الإعلام التقليدية من جرائد ومجلات وقنوات التليفزيون التي يشعر الناس بالإحباط تجاهها والشك في مصداقيتها والانزعاج من صعوبة الوصول إليها أو التأثير فيها، وعدم المشاركة في صياغة رسائلها الإعلامية، وهو ما يجب أن يدفع المؤسسات الإعلامية العربية إلى التخلص من الأخطاء الفادحة التي وقعت فيها عبر العقود، كما يحتاج الإعلاميون إلى وقفة صادقة وجهود جبارة لتصحيح أخطائهم وزيادة مصداقيتهم وتطوير ارتباطهم بالشارع وفتح أبوابهم للآراء الأخرى، وهي الوقفة والتوجه اللذان حرصت عليهما بعض الصحف الخاصة في مصر على سبيل المثال.

وأشار إلى أن البعض يرى أنه رغم عديدٍ من المشكلات التي يئن تحت وطأتها الإعلام التقليدي فإن «الإعلام البديل» يعاني أيضا من مجموعة من المشكلات الأخرى قد لا تجعله الحل الأمثل، وقد تجعله أكثر خطرا على المنظومة الثقافية للأمة العربية، حيث يعاني الشارع العربي من مشكلات جمة في التفكير تجعل آراءه أقرب إلى السطحية والتعميم ومرتبطة أكثر بالشائعات والشعارات الأيديولـوجية التي تلاقي هـواه، حتى لو لم يقـف المنطق إلى جانبها ولم يؤيدها التاريخ والعلم.

وأضاف: تتسم مواقع الشبكات الاجتماعية بعديدٍ من السمات كالاندماج والمشاركة والانفتاح وغياب الحدود، والنمو الكبير الذي شهدته مواقع الشبكات الاجتماعية يفرض عددا من التحديات على سياسات الإعلام التقليدية وما يتعلق بتنظيمها، فعلى الرغم من الإيجابيات الكثيرة لمواقع التواصل الاجتماعي فإن هناك عديدا من السلبيات والمخاوف المرتبطة بهذه المواقع، وتتمثل في الخصوصية وحماية البيانات وانتشار خطاب الكراهية والتحريض والبلطجة، وقضايا الملكية الفكرية أو حق المؤلف، وأيضا انتشار الشائعات المجهولة المصدر.

وحصر اللبان التأثيرات السلبية لهذه المواقع في مجموعة النقاط التالية:

بث الأفكار الهدامة والدعوات المنحرفة والتجمعات الفاسدة.

عرض المواد الإباحية والفاضحة والخادشة للحياء.

التشهير والفضيحة والمضايقة والتحايل والابتزاز والتزوير.

انتهاك الحقوق الخاصة والعامة.

وأضاف اللبان ان الخبراء شددوا على ضرورة مراعاة الأخلاقيات والأعراف العامة على شبكات التواصل الاجتماعي، وأن يتحمل كل مستخدم لتلك المواقع مسؤوليته، مشيرين إلى أن حرية التعبير التي أتاحتها الوسائل الاجتماعية تتطلب أن يراعي كل شخص ضميره فيما يكتب، وأن يفكر في أبعاد الكلمات التي ينشرها على صفحته أو حسابه على وسائل التواصل الاجتماعي، فلا يعمد إلى إثارة النعرات، أو ينشر كلاما قد يتسبب في إيذاء الآخرين. ولفت الخبراء إلى قوة التأثير التي باتت تتمتع بها وسائل التواصل الاجتماعي في العالم العربي، على الرغم من أنها حديثة العهد، فخلال سنوات معدودة لم تعد محصورة في التواصل فحسب، إذ تعددت غاياتها لتضاهي قوة الوسائل الإعلامية في نشر المعلومات، وطرح القضايا والنقاشات، لذا ينبغي تحري الدقة في نقل الأخبار والمعلومات.

وطرح اللبان مبدأ حوكمة شبكات التواصل الاجتماعي في المنطقة العربية،

مشيرا إلى انها تُعد نظاما متكاملا من الأنظمة والقوانين والقرارات التي تهدف إلى تحقيق الجودة والتميز في الأداء من خلال تطبيق ثمانية مبادئ أساسية وهى المشاركة والموضوعية والشفافية والإيجابية والتوافق والمساواة والكفاءة والفاعلية والمسئولية والمحاسبة والرؤية الاستراتيجية، وربما كان مفهوم الحوكمة الإعلامية جديدا على العالم العربي ولكنه معروف في دول العالم الغربي وينظرون إليه باعتباره حضارة إنسانية ويعنى عملية اتخاذ القرارات وضمان الطرق المختلفة لتنفيذها، وقد انطبق على كثير من المفاهيم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ثم بدأ تطبيقه على المفاهيم والأنظمة الإعلامية المختلفة.

وأضاف أن الحوكمة تعتمد على أسس ثابتة منها: «ضمان حق الوصول والمشاركة، والموضوعية، والشافية، والمساواة والتوازن، والتوافق».

بينما تتضمن الحوكمة اللاحقة للمحتوى:

المسؤولية والمحاسبة، والتي تعني قدرة وسائل الإعلام القانونية والأخلاقية والأدبية على القيام بمهامها أمام الجمهور، وخاصة عند اتخاذها قرارات بنشر أو إذاعة أو حجب معلومات معينة او استضافة أو استبعاد مصادر معينة وغيرها من الجوانب التي تفرض على وسائل الإعلام القيام بمهامها.

والكفاءة والفاعلية، والتي هي بمثابة الحكم النهائي الذي يمكن أن يصدر على الوسيلة والنظام الإعلامي.

والرؤية الاستراتيجية، التي تعني وجود تصور واضح لدى الوسيلة والقائمين عليها للمكان والمكانة التي يرغبون في أن تحتلها الوسيلة في المستقبل، وغني عن البيان أن غياب العناصر السابقة للحوكمة الإعلامية تعني أن النظام قد افتقد إلى الرؤية الاستراتيجية سواء في تفاعله مع مختلف القضايا والموضوعات أو حتى في قدرته على إرشاد وتوجيه اهتمامات الجمهور.

وأضاف أنه يمكن رصد ثمانية مستويات في مقياس مدى الالتزام بالحوكمة الإعلامية هي كما يلي:

1 - الاختلاف: يقصد به وجود آراء وتوجهات ووجهات نظر مختلفة على الوسائل والأساليب.

2 - الخلاف الضمني: وهو ما يمكن ان نلاحظه من خلال التحليل السياقي لإسهامات الأفراد والجماعات عبر الشبكة.

3 - الخلاف الظاهر: وهو مرحلة يعلن فيها الأفراد والجماعات عن خلافهم او خصومتهم ويكون لكل منهم توجهات مختلفة لكن يظل هناك نوع من الاحترام في إطار قبول الآخر.

4 - الهجوم من دون تجاوز: وهو مرحلة يبدأ كل طرف فيها الهجوم على أفكار ومعلومات وتوجهات الآخر.

5 - التحريض: وهو استخدام أسلوب الحث والإثارة والتحريك لدفع الفرد أو الجماعة لاتخاذ توجه أو سلوك معين.

6 - الإساءة بالتشهير: وهنا يبدأ الأفراد والجماعات اعتماد سياسة الهجوم بالتجريح والتشهير والاحتقار بهدف النيل من الآخر وإسقاطه.

7 - رفض وإنكار الآخر: وتختلف تلك المرحلة عن سابقتها في أنها ترفض وتنكر وجود الآخر سواء من تلقاء نفسها أو بالاستناد إلى قرارات وقوانين تحظر جماعات أو كيانات معينة.

8 - استباحة الآخر: وهي أسوأ مرحلة لأنها تمثل قاع الهبوط والتدني الأخلاقي حيث يصل الهجوم والإنكار والرفض إلى مرحلة استباحة الآخر، سواء ماله أو عرضه أو أسرته أو حتى حياته وإه0000دار دمه.

 

مداخلات                      

 

د. أنور الرواس – عُمان: نحن نطلق مفردات موجودة بدواخلنا في الجانب الايجابي، فنحن لسنا قضاة أو آلهة في هذه الأرض لنحكم إيجابا أو سلبا، ولكن هناك معطيات تدل على الصحيح والخطـأ، كما أن هناك تشريعات وأخلاقيات يجب الالتزام بها. وأي شخص يتجاوز الآداب والأخلاق العامة سيعاقب.

نحن حتى الآن لم نتخلص من الرقابة الذاتية في مؤسساتنا الإعلامية... ويجب أن نتخلص منها بسرعة.

فايز الشهري – السعودية: بعد كل جلسة نخرج بفائدة تقنية رائعة، كما أن لدي خشية من تطبيق الحوكمة، حيث انها أتت من السياسة إلى الشركات واتخوف من ألا تكتمل لدينا قواعدها، ولذلك لا يمكن تطبيقها وتفشل.

د. حسين أمين: كان هناك تلمس على موضوع الفوضى الخلاقة واستخدام الإنترنت في خلق هذه الفوضى، وأيضا استخدام الجماعات الإرهابية لفضاء الإنترنت، فكيف تمكن مواجهة ذلك، وما هي التكاليف اللازمة له؟

محمود حربي – مصر: هناك دول اهتمت بإنشاء الإدارات للإعلام الجديد وتلك الوسائل لكنها لم تستغلها بشكل كامل، كما لا توجد مشروعات حكومية لاستخدام تلك المواقع... فمتى تفكر الحكومات في تلك الخطوة؟

د. حسن الموصدق – المغرب: طرح موضوع حوكمة الإنترنت مسألة بالغة الأهمية ولكنها للأسف لن تكتمل بسبب نظام بروتوكولات الاتصال، حيث انها ليست بيدنا... هناك 13 خادما جذرية للإنترنت في العالم، 10 منها أمريكية.

الهوية التقليدية معروفة لكن بالنسبة للهوية الرقمية لا نملك المسافة الكافية لأنها متشظية متعددة، وليست هناك بحوث عربية لتحفيز الهوية العربية في هذا الاطار.

Happy Wheels