الجماعات المتطرّفة توظف وسائل الاتصال الإلكتروني لتجنيد الشباب

27 يناير, 2016

- فايز الشهري: الخدمات الاتصالية تشكل حلقة الوصل بين معتنقي الأفكار المضللة والأتباع الذين يعيدون نشر هذه الأفكار بدورهم

- سميح المعايطة: التطور التكنولوجي يتم استغلاله من قبل التنظيمات المتطرفة بشكل واسع وباتجاهات مختلفة                                     
- المخططون لم يلتفتوا في المجتمع العربي إلى خطورة تجذّر الثقافة المشوشة القادمة عبر الشاشات والتي يستهلكها ملايين الشباب
- علينا الحضور الإيجابي في الفضاء الإلكتروني لتحقيق التوازن ومنع تضليل الأجيال الناشئة

 

كتب: عادل بدوي
ناقشت الندوة في الجلسة السادسة محور «توظيف الجماعات المتطرّفة لوسائل الاتصال الإلكتروني لتجنيد الشباب» وتحدث فيها كل من: د. فايز الشهري من السعودية، وسميح المعايطة من الأردن، وأدار الجلسة الصحافي خالد الجابر.
وفي ورقته المطولة استعرض د.فايز الشهري عدة محاور مهمة منها، استخدامات شبكة الإنترنت في ترويج الانحراف، وخصائص الإنترنت الجاذبة للمتطرفين، ونشأة التطرف الالكتروني وتطوره، وتطرق إلى ظاهرة التجنيد الذاتي المؤدي للإرهاب، وسبل التجنيد الفكري للشباب عبر شبكات التواصل الاجتماعي، واستعرض أسباب ضعف المواجهة الإلكترونية لجماعات التطرف والإرهاب، ودور التشريعات في الحد من التطرف والتجنيد الإلكتروني، وسبل توظيف الشبكات الاجتماعية في التحصين والوقاية، وقاعدة إعادة بناء مرتكزات الفكر الوسطي والقناعات المعتدلة، والعديد من المحاور الاخرى التي تتمحور تحت عنوان الورقة.
ويستعرض الشهري في ورقته للحالة التقنية وتوظيفها في مجال التطرف، مشيرا الى المنافع الجمة لشبكة الإنترنت وتطبيقاتها، وما أضافته الهواتف الذكية من تسارع في استخدامات شبكات التواصل الاجتماعي التي أثرت في مسيرة عصر المعلومات والمعرفة التي يحتاجها العالم العربي أكثر من غيره.

الإنترنت والانحراف
ويقول الشهري: تتميز الإنترنت بالعديد من الخصائص التي جعلتها مكانا جاذبا، سواء لطبيعتها الاتصالية التواصلية بالنسبة إلى المتطرفين أو لإمكاناتها في حشد الأنصار أو بوصفها مكتبة لا تغلق أبوابها على مدار الساعة لنشر الفكر المخالف للسائد. وهكذا باتت هذه الشبكة العالمية مكانا جاذبا لهذه الجماعات والتنظيمات على اختلاف مشاربهم وأهدافهم ومن هذه الخصائص أنها أسرع وسائل الاتصال الجماهيري انتشارا وأكثرها تداولا بين الشباب، وانها وسيلة جاذبة للشباب أكثر من غيرها من وسائل الترفيه والاتصال، وتسمح بإنشاء مواقع لرموز الفكر المتطرف وتفسح في المجال للتواصل مع المؤيدين لأفكارها، وتشكل الخدمات الاتصالية حلقة الوصل بين معتنقي الأفكار المضللة والأتباع الذين بدورهم يعيدون نشر هذا الفكر في دوائرهم الخاصة. وقد لعبت الإنترنت دورا كبيرا في نشر وترويج ثقافة التطرف والعنف منذ سنواتها الأولى وحتى في الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا استفادت الجماعات العرقية والعنصرية من فضاء الشبكة ووضعت أطروحاتها عليها منذ منتصف التسعينيات ولم يتوقف المد المتطرف على الشبكة من مختلف الثقافات والأعراق.
وأصاف: لم يلتفت المخططون في المجتمع العربي كثيرا إلى خطورة تجذّر الثقافة المشوشة القادمة عبر الشاشات والتي يستهلكها ملايين الشباب العرب في ظروف ثقافية اقتصادية وسياسية معقدة. وحيث إن هؤلاء الشباب هم المستخدمون الرئيسيون للإنترنت فقد كانت المطالبة المبكرة بأهمية البدء بالسؤال عمّا يطالعه هؤلاء الشباب وتحليل «حجم» مساهمة المحتوى الإلكتروني (الوافد من كل مكان) في تشكيل المعرفة وبناء الفكر السياسي للشباب.

أرقام وإحصائيات
وتابع: وحول أطرف الإحصائيات التي يتداولها نشطاء الإنترنت تلك التي تقول: بينما يولد حوالي 350 ألف طفل حول العالم يوميا، يباع في ذات اليوم 525 ألف جهاز «آي فون» وما يقارب 1.5 مليون جهاز أندرويد. وفي المملكة العربية السعودية أظهرت نشرة هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات في المملكة العربية السعودية أن عدد مشتركي خدمات الاتصالات المتنقلة (الهاتف الجوال) قد بلغ 54 مليون مشترك بنهاية الربع الثالث من عام 2015. وتشير الأرقام الدولية إلى تزايد عدد مستخدمي الإنترنت عبر الهواتف الذكية بشكل مطرد في كثير من الدول العربية. وتقدر مؤسسة البيانات الدولية (IDC) في تقرير جديد (ديسمبر 2015) أن 3.2 مليار شخص، أي 44% من سكان العالم سوف يتصلون بالإنترنت في عام 2016. ومن بين هذا العدد سيكون هناك أكثر من 2 مليار سيتصلون بالإنترنت عبر الهواتف الذكية (المتنقلة).

التجنيد الذاتي
وحول ظاهرة التجنيد الذاتي المؤدي للإرهاب يقول الشهري: ظهر مصطلح التجنيد الذاتي للإرهابيين Self - Recruitment مع انتشار العمليات التي ينفذها أفراد معزولون عن التنظيمات ولكن يتبنون أفكارها، ويهدون هذه العمليات لزعماء التنظيم الموالين له فكريا. وقد انتشر هذا المصطلح بشكل أوسع مع تزايد عمليات «أفراد» متطوعين ذاتيا، ولكنهم يرون أنفسهم جزءا من تنظيم «داعش». ويعرف هذا النوع من التجنيد الذاتي تحت مصطلح «الذئاب المنفردة»، ويطلق على عناصر متشددة ومتطرفة، موجودة داخل الدول كخلايا نائمة، لا يربطها بالتنظيم الأم (داعش) أي هيكل تنظيمي، لكنها تستقبل إستراتيجياته وأيديولوجياته العامة، والأهداف التي يضعها التنظيم، ويستخدمها لتنفيذ عمليات إرهابية داخل هذه البلدان. وتشمل «الذئاب المنفردة» الأشخاص المتعاطفين مع التنظيمات المتطرفة، التي تتحول تدريجيا إلى عناصر فعالة تقدم على تنفيذ عمليات إرهابية.

«داعش» ومواقع التواصل
واختتم الشهري ورقته باستعراض دراسة أصدرها معهد «بروكينغز» في مارس 2005، قدرت عدد حسابات «داعش» على «تويتر» بين 46 ألفا و90 ألفا حساب على «تويتر»، ما بين شهري أكتوبر ونوفمبر 2014. وهذا الرقم يعد صغيرا وفق الدراسة، مقارنة بمجموع مستخدمي «تويتر» – آنذاك- والبالغ عددهم 307 ملايين شخص. ومع ذلك، فإن هذا العدد من الحسابات كان كافيا لإيصال الجهود الدعائية التي يشنها «داعش» إلى مستوى وسائل الإعلام الدولية. وتؤكد الدراسة أن قدرة «داعش» على الحفاظ على وجود فعال على وسائل الإعلام الاجتماعية أظهرت درجة ملحوظة من التطور التنظيمي. وتؤكد كل المؤشرات أن وسائط التواصل الاجتماعي قد أصبحت اليوم أهم الأدوات التي يستخدمها الإرهابيون لنشر فكرهم التكفيري، وتجنيد الشباب وإغوائهم للسفر إلى مسارح الحروب والفتن، كما تستخدم المنظمات الإرهابية هذه الوسائط في التحريض على الأنظمة السياسية والحكومية ونشر الدعايات المضللة والشائعات الكاذبة لتشويه صورة الحكام والعلماء وكل ما يعارض الإرهاب وفكره. حيث تستغل جماعات العنف فضاء الشبكات الاجتماعية وإمكاناتها المختلفة لتوسيع دائرة التجنيد والوصول إلى شرائح جديدة، وكذلك مناطق جغرافية جديدة. وعبر سلسلة من الرصد والمتابعة، يتم إدخال الشاب القابل للاستقطاب في طريق التطرف، ثم الإرهاب.

الحشد الإلكتروني
وفي ورقة حملة نفس عنوان المحور السادس يقول سميح المعايطة: لقد أحدث التطور التكنولوجي قفزة نوعية في عمل التنظيمات العسكرية، خصوصا المتطرفة منها، وقدم لها خدمات نوعية على صعيد عمليات الحشد وبناء الرأي العام المؤيد، أو عمليات التجنيد واستقطاب الأعضاء الحاملين لفكر التنظيم والمستعدين لخدمه أهدافه.
وتابع: تؤكد الوقائع أن التطور التكنولوجي يتم استغلاله من قبل التنظيمات المتطرفة بشكل واسع وباتجاهات مختلفة ابتداء من التنقيب عن المعلومات أو مهاجمة الخصوم إلى الحشد والتجنيد. وتعتبر فئة الشباب في كل المجتمعات الأكثر تعرضا لعمليات الاستهداف الإلكتروني باعتبارهم الأكثر استخداما للإنترنت وهم الأقل خبرة بحكم العمر الزمني والأكثر حماسا وتأثرا وأيضا ميلهم للتغيير، حيث تعمد هذه التنظيمات إلى تضليل الشباب وكل المستخدمين بالفكر غير السوي والقراءة غير الناضجة للنصوص الشرعية، أو تصوير ما تقوم به هذه التنظيمات على أنه بناء لدولة الإسلام ودفاعا عن حرمات وحقوق المسلمين بينما معظم الضحايا من المسلمين.
ولعل ما تقوم به عصابة «داعش» مثلا من تصوير لما يسمى دولة الإسلام بأنها دولة العدل والرفاه وأن التنظيم يحقق الانتصارات على أعداء الإسلام، وهذا يمثل بعضا من التضليل وأدوات التجنيد. وحتى عمليات الإعدام وقطع الرؤوس فإن التنظيم يعتبر جزءا من محاولة مخاطبة حماس الشباب وأيضا مخاطبة النزعة للعنف لدى البعض ممن يمارسون العنف خلافا للقانون في دولهم.
وفيما أثبتت الدراسات فإن الفيس بوك واليوتيوب هي الأكثر استخداما، إضافة إلى تويتر، يختتم المعايطة ورقته بالتأكيد على الحاجة إلى جهد منظم لمواجهة هذا العمل السلبي من هذه التنظيمات من خلال عملية استثمار منظمة وعلمية لوسائل التواصل، وتقديم مادة علمية في الرد على ما تقدمه هذه التنظيمات من آراء ومواقف وأفكار، والتواجد الكثيف الإيجابي على الفضاء الإلكتروني لتحقيق التوازن ومنع التضليل للأجيال.

مداخلات
خليل حيدر: الإرهاب ظاهرة موجودة في العالم العربي والاسلامي ودول أوروبا واستراليا، وأهم سبب لانتشار الارهاب هو عدم اعترافنا بأن لدينا مشكلة في فهمنا للدين ومشكلة في الثقافة العامة والأسرة والمدرسة والمجتمع... لكن من يجرؤ أن يتكلم؟! والتغيير يبدأ من ثقافتنا الداخلية.
د. شريف اللبان: أرجو الاطلاع على التجربة الصينية في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث لديهم موقع خاص يشبه تويتر عندنا، وموقع آخر يشبه الفيس بوك، ومحرك بحث خاص بهم اسمه «علي بابا»، وتساءل: لمَ لا نصنع نحن العرب شبكات خاصة بنا؟! 
د. محمد السليمي: لدينا مخاوف غير مبررة وتم تكبير خطورة مواقع التواصل الاجتماعي لدى العرب، والسؤال الموضوعي الآن: كيف نحول تطبيقات الانترنت إلى وسائط مفيدة وايجابية وليست سلبية؟! وكيف نواجه عمليات التجنيد والاستقطاب على مواقع الاتصال للفكر المتطرف؟!
د. عبدالخالق عبدالله: الانترنت قاطرة حياة منطلقة، هذا ما قاله د. فايز الشهري ثم يفاجئنا بعد ذلك بإعلان انسحابه من «تويتر»، ويذكر 10 سلبيات لمواقع الاتصال والتواصل لماذا؟! 
د. انتصار البناء: هل نحن عاجزون عن تتبع مصادر تجنيد الشباب الى الأفكار المتطرفة على مواقع التواصل، مثلما يفعل الغرب ومعظم دول العالم؟ ومثلما استطاعت ايران ابان الربيع الفارسي عام 2009 عندما رصدت 13 حسابا على الفيس بوك تشعل الأمور في الداخل الايراني، وتبين أن مصدرهم اسرائيل؟! 
د. آمال قرامي: نحن في تونس نستخدم مفردة «استقطاب» بدلا عن «التجني»، بما يوحي بالانخراط في الشيء، وبالنسبة لما طرحه د. الرواس من أن الانخراط في داعش قد يكون لأسباب اسرية أو اقتصادية، فهذا يسقط عامل الدعوة للتنوير الذي طرح في أوراق الندوة. 
د. حسن الموصدق: كيف نواجه إعلام داعش وأدواته في مخاطبة الجماهير، في حين أن معظم الشباب العربي المهاجر يعيش حالة من البؤس والفقر والأوضاع الحياتية الصعبة؟! 
عدنان الصالح: كيف نجعل من الشباب العربي عاملا فعالا وبناء لمواجهة الأفكار المتطرفة في المنطقة العربية؟ 
د. أنور الرواس: هناك ضغوط كبيرة تتعرض لها المنطقة العربية ولا بد من قرارات سيادية تتخطى مناقشاتنا في مثل هذه الندوة.

 

Happy Wheels