افتتاح الدورة الثامنة لمهرجان المسرح العربي

11 يناير, 2016

 

تحت رعاية صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد

افتتاح الدورة الثامنة لمهرجان المسرح العربي وسط أجواء احتفالية وتراثية

وزير الاعلام : علينا نشر قيم المحبة والتسامح والسلام والاستقرار لتظل القيمة الفكرية والفنية للمسرح تستذكرها الأجيال

زيناتي قدسية: إذا كان للشعوب برلمانات فإن المسرح هو برلمان الثقافة الشعبية دون منازع

تكريم 20 فنانا كويتيا من رواد المسرح وثمانية من الفائزين بجوائز مسابقة تأليف النص المسرحي

إسماعيل عبدالله : العاشر من يناير صار عيداً وموعداً لتجديد عهود الحب مع الحياة بالمسرح

خالد أمين قدم بانوراما عن تاريخ المسرح الكويتي واستحضر الرجيب والرشود



تحت رعاية كريمة من صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، ودعم وتوجيه من عضو المجلس الأعلى لاتحاد دولة الإمارات، حاكم الشارقة سمو الشيح الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، الرئيس الأعلى للهيئة العربية للمسرح، وبحضور كوكبة كبيرة من أهم المسرحيين العرب انطلقت فعاليات الدورة الثامنة لمهرجان المسرح العربي على خشبة مسرح عبد الحسين عبد الرضا بالسالمية، والذي تستضيفه الكويت وتنظمه الهيئة العربية للمسرح بالتعاون مع المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ونقابة الفنانين الكويتيين، والمعهد العالي للفنون المسرحية، والهيئة العامة للشباب والرياضة، ووزارة الدولة لشؤون الشباب تحت شعار «نحو مسرح عربي جديد ومتجدّد» وتمتد أنشطتها حتى السادس عشر من يناير الجاري ويبلغ عدد المشاركين فيها 415 منهم 376 يشاركون في الفعاليات المختلفة، وتتنافس في هذه الدورة ثمانية عروض على جائزة سمو الدكتور سلطان بن محمد القاسمي ليتواصل العطاء الزاخر بعد أن استطاعت الدورات السابقة من عمر المهرجان أن تضع الأسس الحقيقية والجادة من أجل حراك مسرحي يسعى جاهدا من أجل نهضة مسرحية عربية شاملة. 

وقبل بداية حفل الافتتاح عاش الحضور أجواء احتفالية وجميلة منذ لحظة وصولهم إلى المسرح حيث كان في استقبالهم رجل وامرأة بالزي الكويتي القديم يرحبان بالضيوف ويسيران معهم حتى جلوسهم في صالة المسرح ويردون على استفساراتهم وداخل المسرح كانت الأجواء طربية أعادتنا إلى زمن عبد اللطيف الكويتي وعائشة المرطة وعودة المهنا وعوض دوخي حيث شدا نخبة من الشباب والفتيات بالأهازيج والأغاني الكويتية التراثية القديمة والتي كانت بمنزلة تهيئة للجمهور ومتعة إضافية قبل انطلاق حفل الافتتاح خاصة أن هؤلاء الشباب والفتيات ارتدوا أزياء هذه الشخصيات ووضعوا مكياجها فتخيلنا أنهم عادوا إلى الحياة ليشاركونا فرحتنا بهذا العرس المسرحي الكبير ويباركون خطواته.

ولم يكن التقديم تقليديا كما تعودنا في الحفلات ويتصدى له أحد الإعلاميين، بل عمد المخرج خالد أمين واستمرارا لنهجه في استعادة الشخصيات الكويتية التي أثرت المسرح وتركت بصمات خالدة فاستعاد مؤسس المسرح حمد الرجيب والمخرج الراحل صقر الرشود بشابين ليكونا بزيهما القديم عريفي الحفل ونستعيد معهما لقطات من هذا الإرث التاريخي الزاخر الذي يحمل عبق التراث وجمالياته وكانت البداية مع كلمة ممثل راعي الحفل معالي وزير الإعلام وزير الدولة لشؤون الشباب الشيخ سلمان الحمود الصباح والتي جاء فيها:

في ليلة عربية جامعة من ليالي كويت العطاء.. وعلى أرض الكويت مركز الإنسانية العالمي، وفي يوم المسرح العربي، يشرفني أن أنوب عن قائد العمل الإنساني حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح – حفظه الله ورعاه، في افتتاح فعاليات مهرجان المسرح العربي في دورته الثامنة، التي تنطلق تحت رعاية سموه حفظه الله ورعاه تحت شعار «نحو مسرح عربي جديد ومتجدد».

ويسعدني أن أنقل لكم جميعا تحيات وتمنيات سموه – حفظه الله ورعاه، بالتوفيق والسداد لهذا الملتقى المسرحي العربي، بما يخدم قضايا الأمة وينشر رسالة التنوير المسرحية على المستويين الوطني والقومي، لإثراء فكر الثقافة والمعرفة.

وأضاف: من كويت العطاء وبيد ممدودة برسالة المحبة والإخاء والثقافة الرفيعة، نرحب أجمل ترحيب بضيوفنا الكرام من نجوم المسرح العربي، والفرق المشاركة في هذا المهرجان والملتقى العربي، الذي يتواكب مع الاحتفال بإعلان الكويت عاصمة للثقافة الإسلامية للعام 2016، ليمثل فرصة لتحقيق التواصل وتبادل الرؤى والأفكار بين المسرحيين العرب، بما يدعم الحركة المسرحية الكويتية.

مستطردا: وبهذه المناسبة نتقدم بأسمى آيات التقدير والامتنان لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي – عضو المجلس الأعلى لاتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة – حاكم إمارة الشارقة، المؤسس والرئيس الأعلى للهيئة العربية للمسرح، على مبادرات سموه الدائمة والداعمة لمسيرة المسرح العربي، منذ انطلاقة الدورة الأولى للمهرجان عام 2009 بأرفع جائزة مسرح عربية، وهذا الملتقى المميز الذي يشهد مشاركة أكثر من 400 مسرحي عربي، الذي تسعد دولة الكويت باستضافته، ويتم خلاله تكريم عدد من نجوم المسرح الكويتي على ما قدموه من فكر ثقافي وإبداع فني، بحضور أشقائهم المسرحيين العرب.

مضيفا: إن دولة الكويت وهي تحتضن هذا المهرجان المسرحي العربي، بنجومه من المحيط إلى الخليج العربي، لتزداد مسارحها إشراقا، وتتلألأ أضواؤها بفن رفيع ورسالة حضارية وإنسانية، تواكب احتفالاتنا الوطنية المجيدة بذكرى العيد الوطني الخامسة والخمسين، ومرور خمسة وعشرين عاما على تحرير دولة الكويت، ومرور عشرة أعوام على تولي حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى الشيخ/ صباح الأحمد الجابر الصباح – حفظه الله ورعاه - مقاليد الحكم في البلاد، وتسمية سمو الشيخ/ نواف الأحمد الجابر الصباح – حفظه الله - وليا للعهد.

ولم يكن إيمان القيادة السياسية في دولة الكويت، بأهمية المسرح وفنونه المختلفة وليد اليوم، إنما هو ضارب بجذوره منذ فجر الاستقلال قبل خمسة وخمسين عاما، دعما ورعاية لرسالة المسرح ومبدعيه من الطاقات الكويتية، التي امتلكت زمام المبادرة والريادة المسرحية في المنطقة الخليجية، وشاركت بإبداعاتها في المتلقيات والفعاليات العربية والدولية، لتؤكد دور الكويت ورسالتها الحضارية والثقافية والإنسانية.

طموحات الشعوب:

اليوم.. ودولة الكويت تستضيف الدورة الثامنة لمهرجان المسرح العربي، تؤكد وتثمن الدور الكبير الذي تقوم به الهيئة العربية للمسرح من أجل الارتقاء بفنون المسرح العربي، ليكون معبرا عن آمال وطموحات شعوب دولنا العربية في الرقي والتطور، من خلال إقامة مثل هذه الملتقيات، لتعميق أسس ومبادئ العمل العربي المشترك التي تؤمن دولة الكويت بأهميتها وتدعمها على جميع الأصعدة ومختلف المجالات، تحقيقا لقواعد الأمن والاستقرار ولدولنا وشعوبنا العربية، وهي رسالة عطاء كويتية ممتدة عبر التاريخ الكويتي.

إن نجاح المسرح في إيصال رسالته التنموية، مرتبط أشد الارتباط بالتعبير الصادق والطرح الراقي لنبض المجتمعات وحاجتها إلى إشاعة ونشر قيم المحبة والتسامح والسلام والاستقرار، لتظل القيمة الفكرية والفنية النبيلة للأعمال المسرحية تستذكرها الأجيال.

وتعمل اللجنة العليا للمسارح بدولة الكويت على تعميق هذه الرؤية وترسيخ مبادئها باستراتيجية طموحة يشرف عليها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب تأخذ بيد النص والبناء المسرحي قدما إلى الأمام تطويرا وتحديثا ورعاية وتشجيعا للمواهب الشابة كتابة وأداء، إلى جانب إنشاء وتطوير المسارح الكويتية على أحدث المقاييس الدولية لتغطي جميع محافظات دولة الكويت.

ثم قال الشيخ سلمان الحمود: إن رعاية شباب المسرحيين، وصقل مواهبهم وتطوير قدراتهم وإمكاناتهم الفنية، تعد رسالة إنسانية غاية في الأهمية يحملها رواد ونجوم المسرح العربي، من أجل جيل مسرحي قادر على حمل الراية ومواصلة الرسالة بكل اقتدار، ونعتقد أن مثل هذه الملتقيات المسرحية المهمة تمثل حلقة وصل وتواصل بين جيل الرواد والنجوم وجيل الشباب الذي توليه دولة الكويت كل الرعاية والاهتمام في جميع المجالات.

ليختتم كلمته مرحبا بالجميع ومتمنيا لكم، طيب الإقامة، وللأعمال المشاركة بهذه الدورة النجاح والتوفيق، بعروض مسرحية مميزة تجمع بين جماليات العرض، والفكر المستنير.

ريبورتاج عن الهيئة العربية للمسرح

شهد الحفل فيلما تسجيليا قصيرا تم خلاله استعراض نشاط الهيئة والانجازات التي حققتها طوال السنوات الماضية والآمال والطموحات ومنها الملتقي الدولي للعرائس والدمي، واختتم الفيلم بكلمة سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي «لنجعل المسرح مدرسة للأخلاق والحرية فنحن البشر زائلون ويبقى المسرح ما بقيت الحياة».

كلمة الهيئة العربية للمسرح

وقد ألقى الأمين العام للهيئة العربية للمسرح إسماعيل عبدالله كلمة رحب فيها بالحضور قائلا: مساؤكم مسرح يزدهي بحضوركم، مساؤكم فرح يأتي من بهائكم، أهلا بكم في هذه اللحظة الفارقة التي أحمل فيها كل التحية لكم من سيدي صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى لاتحاد الإمارات العربية المتحدة، حاكم الشارقة، الرئيس الأعلى للهيئة العربية للمسرح، الذي يتابع بكل اهتمام كل تفاصيل هذا الحدث.

واسمحوا لي أن أبدأ بتوجيه الشكر العميق إلى مقام صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت لتفضله برعاية مهرجانكم هذا، وللكويت التي ساهمت في بناء ثروة الوطن العربي والمواطن العربي الثقافية على مدار ستة عقود، إذ كان نشر الثقافة ديدنها، فلا تخلو مكتبة صغرت أم كبرت، في أقاصي الأرض العربية من مجلة العربي وعالم المعرفة، وما من مسرحي إلا وكانت سلسلة المسرح العالمي زاده وزواده.

وما نحن فيه وعليه وما نحمله في عقولنا من صحائف إلا وفيه سطر من ثقافة أهدتها لنا الكويت.

وأضاف: كل ما كتب يمكن أن يكون كلاما.. إلا ما يمكن أن يكتبه المسرح في الكويت، إذ يغدو نشيدا وقصائد حب وأغاني وعلامات فكر وأنوارا تقاد بأنبل زيت، زيت أرواح المبدعين ورؤاهم الخلاقة، زيت يشع، ينير، يعطر ويعبر بالسالكين الدرب نحو مراقي الطهر والنورانية قوافل من حرير القلب، وبخور الروح، وعطر المعاني، وقمح الأكف الناثرات الحُب والحَب مشاهدا فوق بيادر لا تحدها حدود أو خطوط، وسنابل قمح لا تموت، فإن جفت تناثرت في يباس الترب، واستسقت بماء العيون الباكيات رضى أو جوى، لتنبت من كل حبةٍ سنبلةٌ في كل سنبلة حَب جديدْ وحُب المريدْ، في سيد المواعيد، في العاشر من يناير كانون الثاني الذي صار عيدا وموعدا لتجديد عهود الحب مع الحياة بالمسرح، باقات وطاقات ونوافذ تفتح، ورسالة تدوي بعالي الصوت في كل عام وفي نفس الموعد، مع الحياة ضد الموت، مع الجمال ضد القبح، مع الإنسانية ضد الانغلاق، مع الهوية التي تتكامل مع الآخر ولا تذوب فيه، مع الإرادة لصنع الفارق فنحن في هذه الظروف «لا نملك رفاهية الوقت» كما يقول زيناتي المسرح العربي.

واستطرد عبد الله قائلا: هي الدورة الثامنة، نجمة ثمانية الشعاع، ثُمانية العطاء ثُمانية النورِ المشع في كبد السماء، أشعت أول مرة في القاهرة لتكتسب منها مواويل الفلاحين الذين حفروا القناة فغيروا مسالك البحار، وفي الثانية أشرقت من تونس لتقطف المشموم وحكايات القوالين من دروب قرطاج الحكمة، لتنطلق الثالثة في بيروت، ياقوتِ القلوب وشراعِ المغامرة الأولى لأجدادنا الذين رفعوا القلوع في وجه البحار وروضوها، وتتربع الرابعة في مجالس تايكي حيث ربة عمون ما زالت تشعل نيرانها للقوافل العابرة هدى وكرما في عمان، وتفتح الدوحة كفها بالخمس مرحبة وتنقش حناء المسرح على أكف المحبين، وتعلن السادسة من شارقة سلطان الثقافة نداءه يا أهل المسرح تعالوا لنجعل المسرح مدرسة للأخلاق والحرية، وتربط الرباط في السابعة مناديل المحبة في معاصم المعتصمين بحبل المسرح الواثقين المستوثقين بعراه المتينة، وتأتي الثامنة كما عودة المراكب بعد طول غياب، أصوات من ركبوا العباب وجابهوا الرياح العاصفات على مدار العام يقتربون من شواطئها، أصواتهم تشدوا:

ها نحن عدنا ننشد الهولو على ظهر السفينة

ها نحن عدنا ننشد الهولو عدنا للمدينة

ها نحن عدنا يا كويت إلى شواطئك الأمينة

وقلادة عن شوقنا لك من أمانينا الدفينة

مضيفا: فما أشبه المسرحيَ بالبحار، إذ يمخر عباب الموج منطلقا من مرفأ الأمان ساعيا خلف الحلم مقتحما المجهول وفي لحظة معينة يصبح نقطة في امتداد لا نهائي، يسترشد بقلبه وبالنجم وبتوقه للظفر، شراعه قميص قلبه وصاريه صدره العاري وعين حلمه ترى خلف الأفق الممتد ما لا تراه عين، ترى مرافئ جديدة، ترى بر أمان، وارضا جديدة جديرة بالاكتشاف.

وما أشبه المبدع بالغواص، لا تروق له غير المياه العميقة، يكتم أنفاسه ويضبط إيقاع قلبه وعقله، يمضي بين شعاب وجزر من المرجان، وعوالم ومخاليق لها لغات يدرك كنهها بإحساسه، يغوص بحثا عن دانة يحملها معه إلى المرفأ.. تمنح الفرح لِصَبيةٍ تزين بها جيدها، وتمنح الدهشة لعيون من يراها، ويبقى صاحب المجد يرقب ما منحته دانته للحياة من حياة، يغمس لقمته بتعب قلبه، ويستعد لدهشة جديدة وغوص جديد.

في العاشر من يناير من كل عام، يجتمع النهامون والبحارة والنواخذة والغواصون في مهرجانهم يحملون عرائس المسرح إلى مجاليها، ويرددون بالصوت وبالحداء للقوافل التي تفد من كل حدب وصوب من أطراف هذا الكون، ليكونوا في حضرة السيد النبيل المسرح، يلقون بأحمال توابلهم وبخورهم ولآلئهم وأنوار أحلامهم ورؤاهم، وجنونهم وما تفتق عنه العقل، وما جن وجنح بجناحين من نار ونور، يحلقون بِفَرَاش الإبداع حول شعلة تحترق ولا تحرق، تضيء ولا تضلل.

تكريم ثمانية من الفائزين بجوائز مسابقة تأليف النص المسرحي.

تكريم 20 فنانا كويتيا من رواد المسرح.

خمسة عشر عرضا مسرحيا.

خمس ندوات فكرية.

خمس ورش تأهيلية.

خمسة وعشرون من المؤتمرات الصحافية.

واختتم عبدالله كلمته قائلا: سبعة أيام من المسرح العربي تضيئها كوكبة من نجوم وكواكب تكاملت بالكويت وكونت كونا من حلم ونور، من حياة لا تنتهي ولو ماتت شخوصها، لكم الحياة، لأن المسرح لكم، لكم المسرح لأن البهاء لكم، لكم مهرجانكم وهيئتكم، ولكم تلك المعالي والمجالي، فليس في خوابينا أجمل من أحلامكم.

تكريم علي اليوحة

وفي لفتة جميلة قام الأمين العام للهيئة العربية للمسرح بتكريم الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب المهندس علي اليوحة وسط تصفيق الحضور والحفاوة به وأعقب ذلك ريبورتاج عن العروض المشاركة في المسابقة الرسمية. 

رسالة اليوم العربي للمسرح

كما القي رسالة اليوم العربي للمسرح لعام ٢٠١٦م الفنان الفلسطيني زيناتي قدسية، هذا نصها:

«لم يعد أمامنا خيارات.. ولا نملك رفاهية»

إخوتي وأصدقائي…

يا مَن تصنعون الجمال في زمن يُصرُّ فيه المتهافتون على إنتاج القبح.

توقي كبير، وشغفي أكبر، لهذا اللقاء الذي دعتنا إليه الشارقة المشرقة، المدينة المنارة، مركز الذوق الفني الرفيع، ممثلةً بهيئتنا العربية للمسرح، لنحجَّ كلنا إلى واحة الثقافة والعلوم والإبداع العربي والإنساني، إلى هذا البيت، بيتِنا العربي الكويتي العريق والأصيل، بيت الأمن والسلام.. هذا البيت الذي طالما جمعنا في أوقاتٍ كنا فيها أشتاتاً، واحتوانا بذراعيه الحانيتين ودفء قلبه في أزمان عزَّ فيها اللقاء.. نحن الذين نشكل البقية الباقية التي ما تزال متمترسة على أسوار حصن الجمال، مدافعين عنه ببسالة قل نظيرها.

أصدقائي…

من أمِّ البدايات، أمِّ النهايات. من رائحة الزيتون والكرمة والزعتر التي تعبق من «فستيان» أم سعد، من العاشق، العائد إلى حيفا مُحمَّلاً ببرقوق نيسان.. من روح غسَّان، معلمي الأول، فاتحة وعيي وإدراكي للأشياء والحياة. من «إجزم» قريتي الهاجعة على كتف حيفا وظلال الكرمل كفرخ حمام يستدفئ بجناح أمه.. حيث الولادة.

من «دمشق»، شامةِ الدنيا، أمِّ المدنِ وروحِ التاريخ.. دمشق، ثقافتي، هواي، مرآة روحي، كل التجربة…

المسرح قضية كبرى

ستة وأربعون عاماً في «دمشق»، وقبلها أربع سنوات في عروس الشمال «إربد».. خمسون عاماً ليست شيئاً في عمر الزمن، ولكنها العمر الحقيقي لتجربتي في المسرح، والحياة إذا شئتم.. منازلة لم تتوقف يوماً، حاولت خلالها أن أمسك بتلابيب هذا الفن الصعب العصيّ، ولم أفلح.. لكنني ومنذ وقت مبكر أدركت أنني مقبل على خوض معركة شرسة قد تطول، ولا أدري لمصلحة من ستحسم نتائجها.. ومع مرور الزمن واحتدام المعركة أدركت أن المسرح قضية كبرى وتحتاج رجالاً على مقاسها.

برلمان الثقافة الشعبية

أيها الأعزاء: إذا كان للشعوب برلمانات، فإن المسرح هو برلمان الثقافة الشعبية دون منازع. ولكي يتحول المسرح في بلادنا إلى برلمان للثقافة الشعبية حقاً، فإنني مع الأصوات التي سبقتني، وبعيداً عن تكرار ما قلناه وكتبناه ونظَّرنا له منذ مائة عام ويزيد، أدعوكم للاندفاع بوعي وجرأة وحكمة نحو مسرحنا الجديد والمقاوم.. وأن نحوِّل كل المساحات المتاحة، وأقتبس من الدكتور القاسمي: «إلى أمكنة للتعبير عن المقاومة التي تبديها الأفكار التنويرية ضد الأفكار الظلامية، وأن نجعل من مسرحنا مدرسة للأخلاق، والحرية».. انتهى الاقتباس.

نعم أيها الأخوة.. مسرح جديد حر ومقاوم، بدأت إشاراته الأولى تتبدى منذ عشر سنوات.. حرٌ مقاوم.. لأن المسرح بطبيعته حُرّ، ومنذ نشأته الأولى كان مقاوماً، وقدم آلافاً من العروض المسرحية المقاومة بمعناها الحرفي، مقاومة المحتل، الغازي، العدو، المستعمر، وفي كل دول العالم هناك دائماً حضور لافت للمسرح المقاوم وإن اختلفت أساليب التعبير عن روح المقاومة من مسرح لآخر. وما دام هناك فاشيون وديكتاتوريون، وقابليات لنشوب حروب ثنائية أو كونية، وما دام على الأرض أربابٌ يتمسكون بربوبيتهم ويعملون على تخريب العالم وتدمير أمنه عبر التاريخ، وما دامت الآفة الإنسانية الماثلة أمامنا والمتمثلة في البعض الذي يرى العالم أضيق من أن يتسع له وللآخرين، ويريد أن يعيش وحده جاعلاً نهج حياته: «هذا كله لي».. ما دام كل هؤلاء يعبثون بحياتنا ومصائرنا، فإن المسرح المقاوم يبقى حيَّاً ويعبر عن حرية الإنسان والشعوب وثقافاتها… هذا من جانب.

مسرح مقاوم

وفي الجانب الآخر، ليس شرطاً أن يكون هناك احتلال أو غزو عسكري أو مستعمر لننشئ مسرحاً مقاوماً. ففي فترات السلم العالمي، تبدو حاجة البشر لمسرح مقاوم ماسَّة وملحة. وكأن هذا الهدوء والاستقرار الظاهري والاسترخاء المريب تختفي وراءه نُذُرُ التفجرات المباغتة والحروب المدمرة. وما سعي الدول المحموم لامتلاك الأسلحة بمختلف أنواعها، والصراع المعلن والخفيّ على حيازة أكثرها فتكاً وتدميراً تحت مسمى التوازن الاستراتيجي، إلا تهيئة واستعداداً لهذه التفجرات المباغتة. ولذلك، فإن المفكرين والمثقفين والعلماء والشعراء ورجال المسرح في مختلف أنحاء العالم، حين يواجهون القبح بالجمال واليأس بالأمل، وحين ينتصرون للإنسان من أجل حريته وكرامته الإنسانية وحقه في الماء والطعام والمسكن اللائق والصحة والتعليم والحب وإبداء الرأي والدفاع عن حقه في الوجود.. حين ينتصرون لكل هذا، إنما هم ينتمون بشكل أو بآخر إلى الثقافة المقاومة، العلوم المقاومة، الشعر المقاوم، والمسرح الجديد الحر المقاوم.. البعيد عن التقليدية المتزمتة والمرتهنة لمفاهيم لم تعد قادرة على مواكبة متطلبات العصر.. مسرح متحرر من ظلامية الغول الذي ينشب أظفاره ليشد التجربة الإنسانية برمتها إلى الكهوف المظلمة.. مسرح جديد حر، نقيض للحداثات المزيفة وغير الأصيلة والطارئة، والتي أحدثت اختراقات مهولة في حياة البشر على كل المستويات. وأرجو ألا أُفهم بأنني أدعو للانغلاق والانقطاع عن ثقافات العالم ومنجزاته الإبداعية.. على العكس، أنا من قرية صغيرة من قرى الجليل في فلسطين، لكنني أؤمن بأن العالم قريتي. وأنتمي لأسرة صغيرة، ولكنني أؤمن بأن البشرية أسرتي، وبأنني جزء لا يتجزأ من هذا النسيج الإنساني الرائع. وأؤمن أن على رأس واجبات الإنسان واجباً يدعوه إلى الاهتمام بمشاكل وقضايا العالم، وإلى التفكير فيها والتعبير عنها بنفس الحرارة والولاء الذي يتناول فيه مشاكل وطنه وذاته.

وقد يقول قائل: هل فرغنا من مشاكلنا نحن حتى نولي وجهنا نحو مشاكل العالم؟.. لا لم نفرغ بطبيعة الحال.. بل إننا غارقون في المشاكل والأزمات والكوارث حتى الأذنين.. لكننا لا نبتعد عن أنفسنا حين نقترب من العالم كله.. ولن نكون مبدعين حقيقيين قادرين على الدفاع عن قضايانا الإنسانية العادلة من دون أن ندرك المفهوم السويَّ لكلمة «نحن». لأن «نحن» هذه، ليست في التحليل النهائي لها سوى سكان هذا الكوكب جميعاً. وأنت وأنا إنما نبحث مشاكلنا نحن حين نوجه خواطرنا على المشكلة الإنسانية بأسرها.. وإنني أرحب كل الترحيب بمثاقفة إنسانية تكفل لي تمايزي وخصوصيتي الثقافية والروحية، ولا تلغي هوية الأصل أو تعمل على مسخها وتحويلها إلى كيان تابع ذليل.. مثاقفة محكومة بشرطيّ الحرية والتكافؤ.

سلم القرن

أيها الأعزاء، نحن اليوم نصعد الدرجات الأولى في سلَّم القرن الواحد والعشرين، ولدينا من الطاقات البشرية والعقلية والإبداعية والمالية ما يمكِّننا من خلق مسرحنا الجديد.. لم يعد أمامنا خيارات.. ولا نملك رفاهية الوقت.. وعلينا أن نكمل ما بدأناه بوعي وجرأة وتصميم أشد.. فكما أن المسرح الحي النابض نقيض البدايات الفاترة، عدو الإيقاعات الميتة، كذلك الحياة، لا تزدهر بالتمطي والاسترخاء.. والحرية وسعادة البشر لا تتحقق بالكسل والتثاؤب، إنما تعمر الحياة وتزدهر بالتحديات والمواجهة وقوة الإرادة.. وأنتم أهل لهذه المواجهة.

ومع كل هذا التهشيم المريع والتوحش الذي نعيشه ونشهده في منطقتنا والعالم، وفي همرجة هذه الانكفاءات السريعة، يكفينا شرفاً أننا ما زلنا نقبض على جمر التجربة.. أجل أيها الجميلون، أنتم القابضون على جمر التجربة، ولأنكم كذلك فأنتم تمثلون الارتسام الأنصع لشرفنا الإبداعي الباقي، ولأنكم كذلك فسنبلغ المرفأ حتماً، وسنحقق كل اجتراءاتنا الباسلة الماهرة.

أخيراً.. هذه الخشبة ابتلعت كل العمر.. خمسون عاماً بالتمام والكمال.. أرى كل شيء كما لو كان البارحة أو اليوم.. وكل شيء كان لها.. للتي غنيتُ لها كُل هذا العمر.. وسأظل أغني مع الذين غنوا لها، والذين سيشاركوننا الغناء.. مثلما كان.. وما سيكون.. إلى أن تكون.. حبيبتي التي ستبقى تمتلك السماء.. هي وحدها لها قلبي، هي وحدها تفتح روحي لما لا يمكن سمعُه، هي وحدها والعجائب تندهش إذا مرَّت، هي وحدها، وسيبقى الشرف الإنساني مثلوماً إلى أن تخرج من الجحيم إلى رحاب الحرية، ونتوجها درَّة لتاج العالم.. عالم متجدد أكثر حرية، عالم يقف الناس جميعاً فيه أخوةً متحابين، يطبعون سيوفَهم سِككاً، ورماحَهُم مناجل.. لا ترفع أمةٌ على أمةٍ سيفاً.. ولا يتعلمون الحرب.. فيما بعد.

العرض المسرحي

شهد حفل الافتتاح عرضا مسرحيا كولاجا جمع عدد من المسرحيات الرائدة التي تمثل الفرق الأهلية والتي حملت العديد من القضايا الاجتماعية والسياسية ومثلت أجيالا مختلفة منها «باى باى لندن» للنجم الكبير عبد الحسين عبد الرضا ... «وكازينو أم عنبر» لعبد العزيز النمش والتي كانت تتطرق إلى القضية الفلسطينية.. و«30 يوم حب» لجوهر سالم... و«حفلة على الخازوق» لسليمان الياسين و«حامي الديار» والتي تناولت حقوق المرأة الانتخابية و«ضاع الديك» وغيرها من الأعمال التي شكلت تاريخ المسرح الكويتي قدمها المخرج خالد أمين في بانوراما مسرحية أعادت لنا أجواء هذا التاريخ الحافل بالعطاء والراسخ في أذهان الكويتيين والخليجيين ويختتمها بدولاب يجلس على كل رف فيه نجوم هذه الأعمال ليتحدثوا عن عديد من القضايا والمسرح والمسرحيين في قالب كوميدي ساخر وفكاهي ويتداخل معهم المخرج خالد أمين بصوته، مؤكدا أن المسرح هو الشيء الوحيد الذي يجمع المسرحيين العرب واتفقوا عليه.


مسرحية - بانوراما كويتية

الممثلون:

علي محسن – أحمد العوضي – علي الحسيني – خالد السجاري – عبدالعزيز النصار – حسين المهنا – يوسف الحشاش – محمد فايق – سعود بوعبيد – عبدالعزيز الكندري – نورا العميري – روان الصايغ – دانة حسين – سماء العجمي – نوف السلطان – الاء الهندي – شهد الناشي – خالد مظفر – محمد الربيعان.

تصميم السينوغرافيا: د. خليفة الهاجري

تصميم الأزياء: ابتسام الحمادي

إشراف وتنفيذ السينوغرافيا: نواف الديحاني

تنفيذ اكسسورات: فهد الهاجري

تقنيات مسرحية: بدر منصور

تنفيذ حركة الديكور: عبدالعزيز العسكر - سعود الرغيب - عبداللطيف اشكناني

تصميم إضاءة: بدر شاكر

ماكير: عبدالعزيز الجريب

مدير إدارة الانتاج: عبدالله العريان

إدارة انتاج: مشعل الحساوي - مساعد مخرج: عيسى الحمر - مخرج منفذ: محمد المزعل - مساعد مخرج: طيف العروج

مؤلف المسرحية: أحمد العوضي - إخراج: خالد أمين


لجنة التحكيم

تحرص الهيئة على اختيار لجنة التحكيم من الأسماء المسرحية الوازنة، وتحاول ما استطاعت أن يكون أعضاء لجنة التحكيم من دول لم يترشح منها أعمال للمنافسة على الجائزة في محاولة للوصول إلى أكبر قدر من الحيادية والموضوعية، ولجنة التحكيم في الدورة الثامنة من مهرجان المسرح العربي: - د. سامي الجمعان – السعودية، بروفيسور سعد يوسف – السودان، أ. شادية زيتون دوغان – لبنان، أ. فؤاد عوض – فلسطين، د. مخلد الزيودي – الأردن.

Happy Wheels